أمر الامر مع علمه بانتفاء شرطه هل يجوز أن يأمر الامر مع علمه بانتفاء شرطه أولا؟، قد صارت هذه المسألة معركة لآراء المتأخرين، و هذا العنوان بظاهره غير قابل للنزاع، إذ المراد بالشرط، كما صرحوا به شرط الامر والوجوب، فيصير محصل النزاع على هذا أنه هل يجوز وجود المشروط بدون وجود شرطه؟ وهذا أمر لا يبحث فيه عاقل. والظاهر أن المسألة انحرفت عن أصلها، وقد كان النزاع في الأصل في أن الشئ المستقبل إذا كان في ظرف وجوده فاقدا لشرط الوجوب، فهل يمكن أن يؤمر به قبل وقته مع العلم بكونه في ظرف وجوده فاقدا لشرط الوجوب أولا؟ وبعبارة أخرى: هل يجوز أن يأمر المولى بالشئ المستقبل الذي يصير في ظرف وجوده فاقدا لشرط الوجوب مع علمه بذلك؟ وذلك بأن يأمر به قبل حضور وقت العمل، ثم ينسخه عند حضور وقته من جهة كون شرط الوجوب مفقودا عنده.
ويدلك على ما ذكرناه أن القائلين بالجواز استدلوا بأمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بذبح ولده مع نسخه قبل العمل.
والقائلون بالجواز هم الأشاعرة، وبالامتناع المعتزلة، والمسألة مبتنية على إثبات الكلام النفسي أو إبطاله، فالأشاعرة لما أثبتوا صفة نفسانية في قبال العلم والإرادة والكراهة، مسماة بالكلام النفسي في الاخبارات، وبالطلب الحقيقي أو الزجر الحقيقي في الأوامر و النواهي، التزموا - فيما نحن فيه - بالجواز، بتوهم أن الفعل الذي انتفى شرط وجوبه، وإن لم يعقل تعلق الإرادة به مع العلم بذلك، لكنه لا مانع من أن يتعلق به الطلب النفسي قبل حضور وقته. وأما المعتزلة فلما لم يفرضوا في النفس صفة أخرى، وراء العلم والإرادة و الكراهة، فلذلك التزموا فيما - نحن فيه - بالامتناع، بداهة أن الإرادة لا يمكن أن تتعلق بما يعلم بانتفاء شرط وجوبه في ظرف وجوده.