الواجب الكفائي أعلم أن من أقسام الواجب ما يسمى - في اصطلاحهم - بالواجب الكفائي، وله أحكام متفق عليها بين القوم:
منها أنه لو تركه الجميع لكانوا معاقبين بأجمعهم، ومنها أنه يتمثل بفعل واحد منهم. والحاصل أن الواجب الكفائي عبارة عما وجب على جماعة بحيث أن أتى به واحد منهم سقط عن غيره، وإن تركه الجميع عوقبوا بأجمعهم، وقد صار تصويره من المشكلات عندهم، حيث أرادوا تصويره بنحو ينطبق عليه التعريف الذي ذكروه لمطلق الواجب، أعني ما يكون في فعله الثواب وفي تركه العقاب، فقال بعضهم: إن المكلف في الواجب الكفائي عبارة عن المجموع، من حيث المجموع، لا كل واحد مستقلا، وعلى هذا فيتحقق فعل المجموع بفعل واحد منهم وتركه بترك الجميع. وقال بعضهم: إن المكلف عبارة عن أحد المكلفين لا على التعيين، وقال آخرون: إن المكلف عبارة عن كل واحد واحد مستقلا، لكن إتيان البعض يوجب سقوطه عن الجميع، هذا ما ذكروه في تصوير الواجب الكفائي.
ويرد على الأول: أن المجموع من حيث المجموع أمر اعتباري لا حقيقة له وراء الآحاد فلا يمكن أن يتوجه إليه الطلب، إذ الطلب إنما يتوجه إلى الانسان العاقل القادر المختار، ولا تصدق على المجموع من حيث المجموع هذه العناوين.
ويرد على الثاني: أن المراد من الاحد إن كان مفهوم الاحد، ففيه: أن المفهوم غير قابل لان يتوجه إليه التكليف، وإن كان المراد به الفرد المردد، بحيث يكون توجه التكليف إلى المكلفين توجها ترديديا بالتردد الواقعي، نظير ما ذكر في الواجب التخييري: من أن البعث يتعلق بكلا الامرين على نحو التردد الواقعي، ففيه: أن البعث لا يعقل أن يتوجه إلى الفرد المردد، إذ الغرض من البعث هو الانبعاث ولا بد في تحققه من تعين المبعوث.