عرفت فساده، فإن الطلبين اللذين تعلق كل منهما بواحد من الضدين لا يصدق عليهما طلب الضدين، كما عرفت تفصيله. وأما ما ذكره من أن ما وقع في العرفيات من طلب المهم بشرط عصيان الأهم إنما يكون بعد التجاوز عن الأهم، ففيه: أنه إن كان المراد بالتجاوز عن الأهم إعراضه عنه بالكلية، بحيث لا يكون له بعث إليه حقيقة، ويكون وجوبه منسوخا، فهو بديهي البطلان، فإنه لا معنى للاعراض عما هو تام المصلحة، مع كونه أهم مما زاحمه، وإن كان المراد بالتجاوز عن الأهم تجاوزه عنه من جهة أنه يرى الامر به خائبا غير مؤثر، لا بمعنى نسخه للوجوب، بل بمعنى قطع الرجاء عنه، من جهة عدم وصوله إلى هدفه، فهذا ما ذكرناه من أن رتبة العصيان رتبة عدم تأثير الامر، ولا مانع في هذه الرتبة من وجود الامر بالمهم، فإنه يمكن أن تنقدح في نفس الامر إرادة البعث نحوه في هذه الرتبة التي لا تأثير فيها للامر بالأهم. وأما ما ذكره أخيرا من لزوم تعدد العقاب، فنحن نلتزم به من جهة أن المفروض فيما نحن فيه - كما عرفت - وجود أمرين مستقلين تعلق كل واحد منهما بأمر ممكن مقدور للمكلف، و مخالفة كل منهما توجب العقاب بلا شك وارتياب، أما مقدورية الأهم فواضحة، واما مقدورية المهم فمن جهة فرضه في رتبة عدم إشغال الأهم للظرف، وكون الزمان خاليا منه، وفي هذه الرتبة يكون المهم مقدورا بالوجدان.
تذنيب: قال الشيخ (قده) ما حاصله: إنه لو قيل بالسببية في باب حجية الخبر لكان الخبران المتعارضان من قبيل المتزاحمين، ولازم ذلك عدم سقوطهما رأسا، بل يتقيد إطلاق كل منهما بعدم الاخر. و أورد عليه بعض أعاظم العصر - على ما في تقريرات بحثه - بأن هذا التزام بترتبين، مع أن الشيخ ممن ينكر الترتب.
أقول: ليس مراد الشيخ تقييد كل من الخطابين بعصيان الاخر بما هو عصيان، حتى يلزم الترتب. [1] بل مراده أن التعارض في المقام يرجع إلى التزاحم، ولازمه ثبوت كل منهما على فرض عدم إتيان الاخر، وهو عبارة أخرى عن التخيير العقلي، فمحصل كلامه (قده) أن الحكم في المتزاحمين هو التخيير لا التساقط. وبالجملة مراده تعين كل منهما في ظرف عدم الاخر، بما أنه عدم، لا في ظرف عصيان الاخر، بما أنه عصيان، فلا ربط لكلامه (قده) بباب الترتب أصلا، فتدبر.
[1] أقول: ولا يخفى أن ترتب كل منهما على عصيان الاخر بما هو عصيان مستلزم للدور المضمر من الطرفين، فإن عنوان العصيان يتوقف على ثبوت الامر، فثبوت الامر ب (أ) مثلا يتوقف - على هذا الفرض - على عصيان (ب) المتوقف على الامر به المتوقف على عصيان الامر ب (أ)، المتوقف على ثبوته، وكذا العكس، وهذا بخلاف العدم بما أنه عدم، لعدم توقفه على الامر حتى يدور، فافهم.
ح - ع - م.