الخراساني، فإنه يظهر منه أنه كان مخالفا لذلك من أول الأمر.
والحق هو الصحة، ولنذكر لبيان ذلك مقدمة، لها كمال المقدمية للمطلب، وإن غفل عنها سائر من قال بالصحة، فنقول: لا إشكال في عدم جواز أن يصدر من قبل المولى طلب واحد بداعي البعث متعلقا بالضدين، فإن الجمع بين الضدين محال، والتكليف بالمحال بنفسه محال، لما مر من أن المولى الملتفت بعد كونه بصدد البعث و التحريك لا تنقدح في نفسه إرادة المحال، فكما أن الإرادة التكوينية لا تنقدح في النفس بالنسبة إلى أمر محال، فكذلك الإرادة التشريعية.
وبالجملة: إذا رأى المولى أن العبد لا يتمكن من الانبعاث، فكيف تنقدح في نفسه إرادة بعثه حقيقة، هذا في التكليف الواحد المتعلق بأمر محال، كجمع الضدين مثلا.
وأما إذا فرض هنا تكليفان تعلق أحدهما بأحد الضدين، والاخر بالضد الاخر، فإما أن يكونا في عرض واحد بأن يكونا مجتمعين و يكون لهما المعية في رتبة واحدة، أو لا، أما الأول فلا إشكال أيضا في استحالته سواء كان التكليفان مطلقين، أو مشروطين بشرط واحد، أو كان كل منهما مشروطا بشرط خاص، ولكن كان الامر عالما بوجود الشرطين في عرض واحد، أو كان أحدهما مطلقا والاخر مشروطا بشرط يتحقق في عرض التكليف الآخر، وسواء كان الشرط أمرا اختياريا للمكلف أم لا. والحاصل أن وجود البعثين المتعلقين بالضدين مع كونهما في عرض واحد أيضا محال بجميع أنحائه، لكن الاستحالة هنا ليست من جهة تعلق الطلب بالمحال، حتى يقال إن طلب المحال محال، إذ ليس هنا طلب واحد متعلق بأمر محال، بل طلبان تعلق كل منهما بأمر ممكن مقدور، فإن هذا الضد بنفسه ممكن و ذاك أيضا ممكن، والمحال إنما هو اجتماعهما وليس هو متعلقا للطلب، ولا يمكن أن يطلق على الطلبين اللذين تعلق كل منهما بأمر ممكن طلب المحال، بداهة أن الطلبين بما هما طلبان ليسا مصداقا واحدا للطلب، وإنما المصداق له هو هذا الطلب بحياله وذاك الطلب أيضا باستقلاله، كما أنه يصدق على زيد أنه إنسان وعلى عمرو أيضا كذلك، ولا يصدق عليهما معا أنهما إنسان بل إنسانان.
وبالجملة: استحالة البعثين اللذين تعلق كل منهما بأحد الضدين ليست من جهة كونهما طلبا للمحال وتكليفا بما لا يطاق، كما قد يتراءى من بعض عبائر المنكرين للترتب، بل الوجه في استحالتهما أن طلب المولى لما كان بداعي انبعاث المكلف نحو المكلف به، وكان انبعاثه نحو هذا الضد مستقلا وذاك الضد أيضا مستقلا في رتبة واحدة وعرض واحد من المحالات، فلا محالة كان