بحيث لو لم يشغله المهم لكان خاليا من الأهم والمهم كليهما، فلا محالة تنقدح في نفسه إرادة البعث نحو المهم في هذه الرتبة حتى لا يكون الظرف خاليا عن الواجب المشتمل على المصلحة، ولا مانع من انقداح هذه الإرادة في هذه الرتبة في نفسه، لأن هذه الرتبة رتبة خيبة الامر بالأهم ورتبة عدم وصوله إلى هدفه، وفي هذه الرتبة لا مانع من تأثير الامر بالمهم بأن يوجد الداعي في نفس المكلف نحو ما تعلق به، وقد عرفت أن استحالة البعث ليست إلا من جهة استحالة الانبعاث، فإذا فرض إمكان الانبعاث انقدحت في نفس المولى إرادة البعث قهرا، مثلا: لو ألقي ابن المولى وأخوه في البحر ولم يكن العبد قادرا على إنقاذ كليهما، فحينئذ يستحيل أن يصدر عن المولى طلبان بداعي البعث في عرض واحد يتعلق أحدهما بإنقاذ الابن و الاخر بإنقاذ الأخ، بل الذي يصدر عنه أولا انما هو الامر بإنقاذ الابن مطلقا غير مشروط بشئ بحيث لا يزاحمه في رتبته شي، ثم إن المولى بعد أن صدر عنه هذا الامر ربما يتوجه إلى أن أمره ليس علة تامة لانبعاث المكلف، بل المكلف يمكن أن ينبعث من قبل هذا الامر ويمكن أن لا ينبعث، وينظر إلى أن ظرف الأهم - أعنى إنقاذ الابن - عند عدم تأثير أمره وعدم انبعاث المكلف من قبله خال من الفعل، بحيث لو لم يشغله المهم - أعني إنقاذ الأخ - لكان خاليا من الأهم و المهم كليهما، فحينئذ تنقدح في نفسه إرادة الامر بإنقاذ الأخ في هذه الرتبة التي هي رتبة عدم تأثير الامر بإنقاذ الابن وعدم وصوله إلى هدفه.
والحاصل: أن كلا من الأهم والمهم فعل مقدور للمكلف، فيمكن أن تنقدح في نفس المولى إرادة إتيانه، وانقداح كلتا الإرادتين في نفسه ليس انقداحا لإرادة واحدة متعلقة بالجمع بينهما، فكان اللازم - بالنظر البدوي - جواز انقداحهما في نفسه، ولكن العقل بالتحليل و التعمل يحكم باستحالة انقداحهما في عرض واحد، من جهة أنه يرى أن العبد لا يقدر على الانبعاث نحو الفعلين في عرض واحد، فاستحالتهما إنما نشأت من استحالة انبعاث العبد منهما معا واستحالة تأثيرهما في عرض واحد في نفسه، فإذا علق أحدهما بصورة عدم تأثير الاخر وصورة عصيان العبد له كان وجودهما بهذا الترتيب ممكنا، إذ الزمان في هذا الفرض فارغ من الفعل، فيمكن للعبد إشغاله بالفعل الاخر الذي هو ضد له.
وبالجملة: وجود البعثين المتعلق كل واحد منهما بواحد من الضدين في عرض واحد من المحالات، وأما وجودهما لا في عرض واحد فلا استحالة فيه، لعدم المزاحمة في مقام التأثير، وهذا مثل الامر بالأهم مطلقا والامر بالمهم في رتبة عصيان الأهم وعدم تأثيره في نفس المكلف، إذ الامر بالأهم لا إطلاق له بالنسبة إلى حال عصيانه، لتأخر رتبة العصيان عن رتبة الامر،