استجهالا لهم واستحقارا. وهذا وإن كان دون الأول والثاني، فهو أيضا عظيم لأنه نازع الله في صفة لا تليق إلا بجلاله.
وأنه يدعو إلى مخالفة الله تعالى في أوامره لأن المتكبر إذا سمع الحق من عبد من عباد الله استنكف عن قبوله ويستهزئ بجحده، ولذلك ترى المناظرين في مسائل الدين يزعمون أنهم يتباحثون عن أسرار الدين، ثم إنهم يتجاحدون تجاحد المتكبرين، ومهما انفتح الحق على لسان أحدهم أنف الآخر من قبوله، ويتشمر لجحده ويحتال لدفعه، وذلك من أخلاق الكافرين والمنافقين. قال تعالى:
* (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) *. وقال: * (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم) *.
ثم اعلم أنه لا يتكبر إلا من استعظم نفسه، ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال، ومجامع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي، والديني هو العلم والعمل، والدنيوي هو النسب والجمال والقوة والمال وكثرة الأنصار، والآيات والأخبار في ذم الكبر ومدح التواضع أكبر من أن يحصى (1).
إعلم أن آفة الكبر في العالم والعابد على ثلاث درجات:
الأولى: أن يكون الكبر مستقرا في قلبه، يرى نفسه خيرا من غيره إلا إنه يجتهد ويتواضع ويفعل فعل من يرى غيره خيرا من نفسه. وهذا قد رسخت شجرة الكبر في قلبه، ولكنه قطع أغصانها بالكلية.
الثانية: أن يظهر ذلك على أفعاله بالترفع في المجالس والتقدم على الأقران وإظهار الإنكار على من يقصر في حقه، وأدنى ذلك في العالم أن يصعر خده للناس كأنه معرض عنهم، وفي العابد أن يعبس وجهه ويقطب جبينه، كأنه متنزه عن الناس، مستقذر لهم أو غضبان عليهم.
روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم.