مدين ينظرون إليه ما يصنع. فلما صار في أعلاه، استقبل بوجهه المدينة ثم وضع إصبعيه في اذنيه، ثم نادى بأعلى صوته: * (وإلى مدين أخاهم شعيبا - إلى قوله: - بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) * ثم قال: نحن والله بقية الله في أرضه. فأمر الله ريحا سوداء مظلمة فهبت واحتملت صوت أبي جعفر (عليه السلام) فطرحته في أسماع الرجال والصبيان والنساء. فما بقي أحد من الرجال والنساء والصبيان إلا صعد السطوح. وصعد فيمن صعد شيخ من أهل مدين كبير السن، فنادى بأعلى صوته:
اتقوا الله يا أهل مدين فإنه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب حين دعا على قومه، فإن أنتم لم تفتحوا له الباب ولم تنزلوه جاءكم من الله العذاب فإني أخاف عليكم، وقد أعذر من أنذر. ففزعوا وفتحوا الباب وأنزلونا. وكتب بجميع ذلك إلى هشام، فكتب إلى عامل مدين يأمره بأن يأخذ الشيخ فيقتله (1).
روي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) مر على المدائن، فلما رآى آثار كسرى وقرب خرابها قال رجل ممن معه:
جرت الرياح على رسوم ديارهم * فكأنهم كانوا على ميعاد فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أفلا قلتم (قلت - خ ل): * (كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم - إلى قوله تعالى: - منظرين) *. وفي رواية أخرى ثم قال: إن هؤلاء كانوا وارثين، فأصبحوا موروثين. لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية. إياكم وكفر النعم لا تحل بكم النقم (2).
روي عن عمار الساباطي، قال: قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) المدائن، فنزل إيوان كسرى، وكان معه دلف ابن مجير. فلما صلى قام وقال لدلف: قم معي. وكان معه جماعة من أهل الساباط. فما زال يطوف منازل كسرى ويقول لدلف: كان لكسرى في هذا المكان كذا وكذا. ويقول: دلف: هو والله كذلك. فما زال كذلك حتى طاف المواضع بجميع من كان عنده، ودلف يقول: يا سيدي ومولاي كأنك وضعت هذه