طأطئ رأسك لا يصيبه السقف. وكان عبد الملك يحب النظر إلى كثير، فلما ورد عليه فإذا هو حقير قصير تزدريه العين، فقال: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فقال: مهلا يا أمير المؤمنين، فإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، إن نطق نطق ببيان وإن قاتل قاتل بجنان وأنا الذي أقول:
ترى الرجل النحيف فتزدريه * وفي أثوابه أسد زئير - الأبيات فاعتذر إليه عبد الملك ورفع مجلسه.
أقول: ولكثير مع عزة مقامات مشهورة لا يهمنا نقلها. توفي سنة 105.
كثم: كان " أكثم بن صيفي الأسدي " حكيم العرب من المعمرين، وكان أعلم أهل زمانه وأعقلهم وأحلمهم، وأخذ هذه الآداب من مجالسة سادات العرب والعجم أبي طالب و عبد المطلب وعبد مناف وقصي، وهؤلاء سادات أبناء سادات، فتخلق بأخلاقهم واقتبس من أنوارهم (1).
كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة معا: كان أكثم حكيما مقدما، عاش ثلاثمائة سنة وثلاثين، وكان ممن أدرك الإسلام وآمن بالنبي (صلى الله عليه وآله)، ومات قبل أن يراه، وروي أنه لما سمع به بعث إليه ابنه وأوصاه بوصية حسنة، وكتب معه كتابا يقول فيه: باسمك اللهم. من العبد إلى العبد، فأبلغنا ما بلغك فقد أتانا عنك خبر لا ندري ما أصله. فإن كنت أريت فأرنا، وإن كنت علمت فعلمنا وأشركنا في كنزك والسلام.
فكتب إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله): بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى أكثم بن صيفي أحمد الله إليك إن الله أمرني أن أقول: لا إله إلا الله. أقولها وآمر الناس بها. الخلق خلق الله والأمر كله لله. خلقهم وأماتهم، وهو ينشرهم وإليه المصير. أدبتكم بآداب المرسلين، ولتسألن عن النبأ العظيم، ولتعلمن نبأه بعد حين.
فلما وصل كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليه، جمع بني تميم، ووعظهم وحثهم على