وأما الهبة والوصية: فلأن المتهب والموصى له تقلدا المنة من الواهب والموصي حيث قبلا تبرعهما، ولو أخذ الشفيع، لأخذ عن استحقاق وتسلط، فلا يكون متقلدا للمنة، ووضع الشفعة على أن يأخذ الشفيع بما أخذ به المتملك.
أما لو شرط في الهبة الثواب أو قلنا: إنها تقتضي الثواب مع الإطلاق، فلا شفعة فيها أيضا عندنا.
وقال الشافعي: إن كان العوض معلوما، صحت الهبة، وكانت بيعا، وتثبت فيه الشفعة، سواء تقابضا أو لم يتقابضا - وبه قال زفر - لأنه ملك بعوض، فلم يفتقر إلى التقابض، كالبيع (1).
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تثبت حتى يتقابضا؛ لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض، فهو بمنزلة بيع الخيار (2).
وأجاب الشافعية بأنه لا يصح ما قالوه من اعتبار لفظ الهبة؛ لأن العوض يصرفها عن مقتضاها، وتصير عبارة عن البيع، وخاصة عندهم ينعقد بها النكاح، ولا يفتقر النكاح إلى القبض (3).
فأما إذا كانت بغير شرط العوض، فكذلك مبني على القولين في اقتضائها الثواب.
وكل موضع قلنا: تقتضي الثواب تثبت الشفعة فيها بمثل الثواب إن كان مثليا، وإلا القيمة. وكل موضع قلنا: لا تقتضيه، لم تثبت الشفعة ولو