ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه قلت يا رسول الله أبعد هذا الخير شر؟ قال: فتنة عمياء صماء عليها دعاة على أبواب النار وأنت أن تموت يا حذيفة وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم. وبسنده عن حذيفة بن اليمان أنه قال يا رسول الله انا كنا في شر فذهب الله بذلك الشر وجاء بالخير على يديك فهل بعد الخير من شر؟ قال نعم، قال ما هو؟
قال: فتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا تأتيكم مشتبهة كوجوه البقر لا تدرون أيا من أي. وبسنده عن حذيفة: قلت يا رسول الله هل بعد هذا الخير شر كما كان قبله شر؟ قال: يا حذيفة اقرأ كتاب الله واعمل بما فيه فاعرض عني فأعدت عليه ثلاث مرات فقلت هل بعد هذا الخير من شر قال نعم فتنة عمياء (عماء أو غماء) صماء ودعاة ضلالة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها. وفي حلية الأولياء بسنده عن حذيفة انه سئل عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الفتن التي تموج موج البحر، فقال: تعرض الفتن على القلوب عرض الحصيد فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء واي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء حتى تصير القلوب على قلبين. قلب أبيض مثل الصفا لا يضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربدا كالكوز مجخيا (1) - وأمال كفه - لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا الا ما أشرب من هواه - الحديث. وفي الحلية أيضا بسنده عن حذيفة قال: ان الفتنة تعرض على القلوب فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء فان أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء فمن أحب منكم ان يعلم أصابته الفتنة أم لا فلينظر فإن كان يرى حراما ما كان يراه حلالا أو يرى حلالا ما كان يراه حراما فقد أصابته الفتنة. وفي الحلية أيضا بسنده عن حذيفة قال: أتتكم الفتن ترمي بالنشف، ثم أتتكم ترمي بالرضف، ثم أتتكم سوداء مظلمة. وفي الفائق للزمخشري عن حذيفة انه ذكر الفتنة فقال: أتتكم الدهيماء ترمي بالنشف، ثم التي تليها ترمي بالرضف، والذي نفسي بيده ما اعرف لي ولكم الا ان نخرج منها كما دخلنا فيها. قال الزمخشري: (الدهيماء) هي تصغير الدهماء وهي الفتنة المظلمة وهو التصغير الذي يقصد به التعظيم (والنشف) جمع نشفة وهي الفهر السوداء كأنها محرقة (والرضف) الحجارة المحماة الواحدة رضفة.
ذكر تتابع الفتن وفظاعة شانها وضرب رميها بالحجارة مثلا لما يصيب الناس من شرها ثم قال: ليس الرأي الا ان تنجلي عنا ونحن في عدم التباسنا بالدنيا كما دخلنا فيها اه. (الفهر) الحجر قدر ما يملأ الكف. وفي الحلية أيضا بسنده عن حذيفة قال: ثلاث فتن والرابعة تسوقهم إلى الدجال التي ترمي بالرضف والتي ترمي بالنشف والسوداء المظلمة التي تموج كموج البحر والرابعة تسوقهم إلى الدجال.
كان حذيفة يسأل عن الشر دون الخير مر بعض ما يدل على ذلك وروى احمد بسنده قال حذيفة: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسألونه عن الخير وكنت أساله عن الشر، قيل لم فعلت ذلك؟ قال: من اتقى الشر وقع في الخير. وفي تاريخ دمشق: أخرج ابن مردويه عن حذيفة أنه قال - وهو في مجلس كان ناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير وأساله عن الشر فنظر اليه الناس كأنهم ينكرون عليه فقال لهم كأنكم أنكرتم ما أقول كان الناس يسألونه عن القرآن، وكان الله قد أعطاني منه علما، فقلت يا رسول الله هل بعد هذا الخير الذي أعطاناه الله من شر - الحديث.
تمنيه العزلة عن الناس في حلية الأولياء بسنده قال حذيفة: لوددت ان لي انسانا يكون في مالي ثم أغلق علي الباب فلم أدخل علي أحدا حتى ألقى الله عز وجل.
صبره على البلاء في تاريخ دمشق: قال خرج البيهقي عن حذيفة أنه قال: كنتم تسألونه عن الرخاء وكنت أساله عن الشدة لأتقيها ولقد رأيتني وما من يوم أحب إلي من يوم يشكو إلي فيه أهلي الحاجة ان الله تعالى إذا أحب عبدا ابتلاه حتى يقول عظ عظك (2) وشد شدك ان قلبي يحبك. وأخرج ابن عساكر من طريق عبد الله بن وهب عن حذيفة أنه قال: ان أقر أيامي يوم أرجع فيه إلى أهلي فيشكون لي فيه الحاجة، و الذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ان الله ليتعاهد عبده بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده بالخير وان الله تعالى ليحمي عبده المؤمن الدنيا كما يحمي المريض أهله الطعام. وفي حلية الأولياء بسنده عن حذيفة قال: أقر ما أكون عينا حين يشكو إلي أهلي الحاجة وان الله تعالى ليحمي المؤمن من الدنيا كما يحمي أهل المريض مريضهم الطعام. وبسنده عن حذيفة أنه كان يقول: ما من يوم أقر لعيني ولا أحب لنفسي من يوم آتي أهلي فلا أجد عندهم طعاما ويقولون ما نقدر على قليل ولا كثير، وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن الله تعالى أشد حمية للمؤمن من الدنيا من المريض أهله الطعام والله تعالى أشد تعاهدا للمؤمن بالبلاء من الوالد لولده بالخير.
كلامه في النفاق والمنافقين في زمانه في حلية الأولياء بسنده عن أبي الشعثاء المحاربي: سمعت حذيفة يقول: ذهب النفاق فلا نفاق انما هو الكفر بعد الايمان. اليوم شر منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يومئذ يكتمونه وهم اليوم يظهرونه.
أسند الحاكم في المستدرك في حديث: سئل علي عن حذيفة فقال:
كان أعلم بالمنافقين. وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق عن حذيفة أنه قال : مر بي عمر بن الخطاب وانا جالس في المسجد فقال: يا حذيفة ان فلانا قد مات فأشهده، ثم مضى، حتى إذا كاد ان يخرج من المسجد التفت إلي فرآني وانا جالس فعرف، فرجع إلي فقال يا حذيفة أمن القوم انا؟ فقلت اللهم لا أبرئ أحدا بعدك. وفي تاريخ دمشق أيضا: روى ابن منده عن أبي البختري الطائي انه سئل (عليه السلام). إلى أن قال:
وسئل عن حذيفة فقال: علم المنافقين وسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وسئل عن نفسه فقال: كنت إذا سالت أعطيت وإذا سكت ابتديت. وفي رواية أخرى: سئل عن حذيفة فقال: أعلم الناس بالمنافقين، قالوا: أخبرنا عن نفسك، قال: إياها أردتم كنت إذا سكت ابتديت وإذا سالت أعطيت فان بين دفتي علما جما قال أبو البختري - أحد رواة هذا الحديث -: فقلت لإسماعيل بن خالد ما معنى ما بين الدفتين؟ قال جنبيه. وفي لفظ آخر:
وسئل عن حذيفة فقال ذاك امرؤ علم المعضلات والمفصلات وعلم أسماء المنافقين ان تسألوه عنها تجدوه بها عالما. وفي الدرجات الرفيعة: سئل أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم عنه، فقال: كان عارفا بالمنافقين وسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المعضلات فان سألتموه وجدتموه بها خبيرا اه. قال: وكان