تمام لم لا تقول من الشعر ما يعرف فقال وأنت لم لا تعرف من الشعر ما يقال فأفحمه قال الصولي وحدثني أبو الحسين الجرجاني قال الذي قال له هذا أبو سعيد الضرير بخراسان وكان هذا من علماء الناس وكان متصلا بالطاهرية (اه) ويأتي في اخباره مع آل طاهر ان أبا العميثل قال له نحو ذلك فاجابه بنحوه.
تشيعه لأهل البيت أبان عن ذلك بما سنورده (انش) من مديحه لهم وأشار اليه بقوله من قصيدة في مدح المأمون أو المعتصم:
هذا أمين الله آخر مصدر * شجي الظماء به وأول مورد ووسيلتي فيها إليك طريفة * شام يدين بحب آل محمد نيطت قلائد ظرفه بمحير * متدمشق متكوف متبغدد حتى لقد ظن الغواة وباطل * أني تجسم في روح السيد (شام) أصله شامي (بمحير) لعله نسبة إلى الحير وهو موضع قبر الحسين عليه السلام وأراد بذلك تشيعه له و إلا فهو لم يسكنه، (ومتدمشق) لسكناه دمشق ولكون أصله من جاسم التابعة لها، (ومتكوف) مذهبا وعقيدة لاشتهار أهل الكوفة بالتشيع كما أشار إليه بقوله أيضا من قصيدة تأتى:
وكوفني ديني على أن منصبي * شام ونجري أية ذكر النجر متبغدد لسكناه بغداد أو لتشيعه لبني العباس و (باطل) أي وباطل ظنهم (والسيد) هو السيد الحميري لأنه بلغ في التشيع الغاية ولكنه يقول في بعض قصائده:
فلو صح قول الجعفرية في الذي * تنص من الالهام خلناك ملهما الظاهر أنه أراد من الجعفرية أصحاب الإمام جعفر الصادق، ولعله أراد أنهم يقولون إن الامام ملهم. وكيف كان فلا ينافي ذلك تشيعه لأنه ليس من لوازم التشيع القول بأن الامام ملهم.
هل كان أبو تمام متهاونا بالدين؟
في ديوانه قال غير الصولي: قال أبو تمام شربت عند الحسن بن وهب فغلب علي السكر فأخبرت اني كسرت آنية فحملت بين أربعة فلما أفقت كتبت إليه هذه الأبيات:
أفيكم فتى حر فيخبرني عني * بما شربت مشروبة الراح من ذهني غدت وهي أولى من فؤادي بعزمتي * ورحت بما في الدن أولى من الدن لقد تركتني كأسها وحقيقتي * مجاز وصبح من يقيني كالظن إذا اشتعلت في الكأس فالطاس نارها * تلقيتها من راحتي فنق لدن غرير الصبا في وجنتيه ملاحة * بها فنيت أيام يوسف في السجن إذا نحن أومأنا إليه ادارها * سلافا كماء الجفن وهي من الجفن ظللنا بها في جنة غاب نحسها * تذكرنا جناتها جنة العدن نعمنا بها في بيت أروع ماجد * من القوم آب للدناءة والأفن فتى شق عن عود المحامد عوده * كما اشتق مسموه له اسما من الحسن وكنا نربأ بأبي تمام عن تعاطي مثل ذلك ولكن الزمان الذي كان فيه كان قد فسد وتعاطى الخلفاء والملوك والأمراء هذا الفعل الملعون وجروا إليه معاشريهم ومخالطيهم:
إذا كان رب البيت بالطبل ضاربا * فشيمة أهل البيت كلهم الرقص ويمكن أن يكون ذلك مكذوبا على أبي تمام بدليل أن الصولي الواسع الرواية الذي جمع ديوان أبي تمام لم يذكره فيه والله أعلم. وفي الأغاني:
أخبرني علي بن سليمان (الأخفش) حدثنا محمد بن يزيد النحوي (المبرد) قال خرج أبو تمام إلى خالد بن يزيد بن مزيد وهو بأرمينية فامتدحه فأعطاه عشرة آلاف درهم ونفقة لسفره وقال تكون العشرة الآلاف موفورة فان أردت الشخوص فأعجل وإن أردت المقام عندنا فلك الحباء والبر، قال بل أشخص فودعه ومضت أيام وركب خالد يتصيد فرآه تحت شجرة وبين يديه زكرة فيها شراب وغلام يغنيه بالطنبور فقال أبو تمام قال خادمك وعبدك قال: ما فعل المال؟ فقال:
علمني جودك السماح فما * أبقيت شيئا لدي من صلتك ما مر شهر حتى سمحت به * كأن لي قدرة كمقدرتك تنفق في اليوم بالهبات وفي الساعة * ما تجتنيه في سنتك فلست أدري من أين تنفق * لولا أن ربي يمد في هبتك فأمر له بعشرة أخرى فأخذها وخرج (اه) وهذه الأبيات لا توجد في ديوانه، ولعل القصة مكذوبة عليه من بعض أعدائه وحساده والله أعلم.
واعلم أن أعداء أبي تمام لم يكفهم القدح في شعره حتى قدحوا في نسبه كما مر في أول الترجمة، وتعدوا ذلك إلى القدح في دينه فنسبوا إليه الاخلال بفروض الدين حتى ارتقوا إلى نسبة الكفر والالحاد إليه وهو برئ من كل ذلك. في مروج الذهب كان أبو تمام خليعا ماجنا وربما أداه ذلك إلى ترك موجبات فرضه تماجنا لا اعتقادا قال وحدث محمد بن يزيد المبرد عن الحسن بن رجاء قال صار إلي أبو تمام وأنا بفارس فأقام عندي مقاما طويلا ونمي إلي من غير وجه أنه لا يصلي، فوكلت به من يراعيه ويتفقده أوقات الصلاة فوجدت الأمر على ما اتصل بي عنه فعاتبته على فعله ذلك فكان من جوابه ان قال لم أنشط للشخوص إليك من مدينة السلام وأتجشم هذه الطرقات الشاقة وأكسل عن ركعات لا مؤونة علي فيها لو كنت أعلم أن لمن صلاها ثوابا وعلى من تركها عقابا قال فهممت والله بقتله ثم تخوفت ان يصرف الأمر إلى غير جهته وهو القائل:
وأحق الأنام أن يقضي الدين * امرؤ كان للإله غريما وهذا قول مباين لدليل العقل (اه). أقول أشار بقوله إنه مباين لدليل العقل إلى أن تصريحه بالالحاد بقوله لو كنت أعلم أن لمن صلاها ثوابا أو على من تركها عقابا لا يمكن أن يقع منه أمام الحسن بن رجاء لو فرض محالا أنه يعتقد ذلك كيف وأن تدينه وصحة اعتقاده أمر مشهور لا يشك فيه أحد وتعليله ترك قتله بأنه خاف أن يصرف الأمر إلى غير جهته تعليل عليل، والبيت الذي أنشده دال على حسن اعتقاده، وكيف يمكن ان يستحل ترك الصلاة من يعتقد وجوب الحج، ففي ديوانه أنه قال يصف حجة حجها بقوله من أبيات:
وقد أممت بيت الله نضوا * على عيرانة حرف سعوم اتيت القادسية وهي ترنو * إلي بعين شيطان رجيم فما بلغت بنا عسفان حتى * رنت بلحاظ لقمان الحكيم وبدلها السري بالجهل حلما * وقد أديمها قد الأديم طواها طيها الموماة وخدا * إلى أجبال مكة والحطيم