ويصطنعه لنفسه ويستصحبه في غزواته ويستخلصه في اعماله وأبو فراس ينثر الدرر الثمينة في مكاتباته إياه ويوفيه حق سؤدده ويجمع بين أدبي السيف والقلم في خدمته اه.
وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق: الحارث بن سعيد بن حمدان أبو فراس بن أبي العلاء التغلبي الحمداني الأمير الشاعر الفارس كان يسكن منبج ويتنقل في بلاد الشام في دولة أبي الحسن علي بن حمدان المعروف بسيف الدولة اه. وفي النجوم الزاهرة أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان التغلبي العدوي الأمير الشاعر الفصيح وكان يتنقل في بلاد الشام في دولة ابن عمه سيف الدولة بن حمدان وكان من الشجعان والشعراء المفلقين وديوان شعره موجود اه.
وفي نسمة السحر: أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون التغلبي الشامي الأمير الكبير الشاعر المشهور (إلى أن قال) فهو المنزل الموت الأحمر ببني الأصفر والمورد السنان الأشهب في نحر العدو الأزرق تحت النقع الأسود في اليوم الأغبر اه.
وفي أبي فراس يقول الأمير أبو أحمد عبد الله بن ورقاء الشيباني من قصيدة تأتي:
أمدره تغلب لسنا وعلما * ومصقع نطقها عند التلاحي لقد أوتيت علما واطلاعا * بآداب وألفاظ فصاح لمقولك المضاء إذا انتضاه * القصيد على المهند الصفاح شخصيته هو أمير جليل وقائد عظيم أكبر قواد سيف الدولة وشجاع مدرة وشاعر مفلق وعربي صميم تجلت فيه الأخلاق والشيم العربية السامية بأجلى مظاهرها في شجاعته وولوعه بالحرب وكراهته الاخلاد إلى الدعة والراحة وفي إباء نفسه وفخره وحماسته واعتزازه بعشيرته وعلو همته وارتفاعه عن الدنايا وسخائه وفصاحته وحبه للعفو والصفح وحفظ الحرم وارتياحه إلى الكرم والبذل وحبه فعل الخير والمساواة بنفسه وعدم ايثارها على المسلمين ورقة طبعه وسجاحة خلقه وحبه للوطن ورعايته لحقوق الاخوان ومحافظته على لم شعث العشيرة إلى دين متين واعتقاد ثابت رصين وخوف من الله تعالى وغيرة على الاسلام والعروبة وأشعاره الكثيرة الحماسية واخباره الآتية شاهدة شهادة صادقة بما اتصفت به نفسه من الشمم والإباء وعلو الهمة والطموح إلى العلياء والغرام بالمجد وما يكسب الثناء والحمد. والأمير أبو فراس هو أمير السيف والقلم. كان شاعرا مجيدا وبطلا مقداما إذا قال فعل فهو إذا قال:
واني لنزال بكل مخوفة * كثير إلى نزالها النظر الشزر واني لجرار لكل كتيبة * معودة ان لا يخل بها النصر سيذكرني قومي إذا جد جدهم * وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر فهو حقيقة نزال بكل مخوفة جرار لكل كتيبة وإذا غاب يترك فراغا لا يسده غيره فيذكره قومه لا كمن يقول ولا يفعل.
قضى الحمدانيون أيامهم في حروب متواصلة مع جيرانهم وأعدائهم الروم وكانت لأبي فراس اليد الطولى في قيادة الجيوش الحمدانية وتسييرها وكان له الفضل الأكبر في احراز الفلج لها وكان إذا مشى الجيش مشى أبو فراس في الطليعة فيجندل بسيفه الأبطال ويردي غلب الرجال. وكان ذا نفس طماحة وروح تواقة لا ترضى بالدنيات من الأمور والصغائر من الأفعال بل تنهض به إلى أسمى المنازل وأعلى الرتب باشر أبو فراس قيادة الحروب وقيادة الجيوش وما اخضر عارضاه كما يدل عليه بعض أشعار أهله (1). وحكى عنه ابن خالويه أنه قال غزونا مع سيف الدولة وفتحنا حصن العيون وأوغلنا في بلاد الروم وفتحنا حصن الصفصاف وسني إذ ذاك 19 سنة وهو القائل:
فلا تصفن الحرب عندي فإنها * طعامي مذ ذقت الصبا وشرابي وهو عارف بتواريخ العرب في الجاهلية والاسلام وغيرهم وهو عالم بصناعة الكلام والاحتجاج وايراد الأدلة والنقص والابرام كما تدل عليه قصيدته الميمية التي يرد بها على ابن سكرة العباسي مشارك في العلوم عارف باللغة والعربية تخرج على ابن خالويه العالم اللغوي النحوي الشهير وغيره.
جمع أبو فراس إلى مكانة بيته وشرف محتده شخصية قوية فذة فأهله ذلك لأن يكون الأمير الجليل وأن يكون أكبر قواد سيف الدولة وأن يكون من أحب الشخصيات العربية إلى النفوس على مر الأزمان. ولا شك ان نشأته في حجر سيف الدولة ووراثته مزايا عرف بها آل حمدان وتفردوا بمحاسنها قد كونا شخصيته تلك. يضاف إلى ذلك ظروف حياته التي قضاها في ممارسة الحرب والغزو ومكابدة الأسر. فقد اجتمعت تلك العوامل والمؤثرات فأخرجت شخصية صافية واضحة لا ارتباك فيها ولا تعقيد شأن أكثر الشعراء بعيدة كل البعد عن أن تربكها الخطوب وترهقها الحوادث أو ان تخرج بها دفائن الأهواء عن الخلق المتفائل السمح مع عزم وصلابة ووضوح.
لا شك في أن الوراثة وحياة المرء الاجتماعية منذ نشأته لهما الأثر العظيم في تكوين شخصيته. وتنمية صفاته الغريزية وتقويتها وابرازها.
وقد ورث شاعرنا الأمير عن أجداده وآبائه الشئ الكثير مما عرف به هذا البيت العربي الكريم فكان مطبوع الفطرة على مثل الأخلاق العربية العليا.
ثم تداولت ظروف حياته هذه الفطرة السليمة الصافية فاتسقت معها تنميها وتغذيها فكانت رغباته قيد إرادة قوية ومجال واسع في الامارة والرياسة، لتحقيق ما تصبو اليه نفسه العظيمة لقد تيسر له - وهو الطامح إلى معالي الأمور - ان يباشر الحروب وقيادة الجيوش ويتقلب في ذرى الامارة وهو ابن تسع عشرة سنة فنمت فيه غريزة الشجاعة وقويت وعظمت وهو إلى ذلك يجر وراءه ماضيا ضخما وصيتا عريضا من تراث الآباء والأجداد ويحمل في قرارة نفسه عقيدة دينية صلبة تعرف معها نفسه ما لها وما عليها فأهله ذلك لأن يكون الأمير الجليل ولان يكون أكبر قواد سيف الدولة ولأن يتبوأ اسمى مقام بين العظماء ولأن يكون خالد الذكر ما بقي الدهر ووجد مجالا واسعا في الحماسة والفخر الصادق وساعدته الحالات التي كان يمارسها من نصر وظفر واسر طال واستمر على أن تخرج قريحته الفياضة شعرا مطبوعا بطابع كل حسن ورقة وعذوبة وفخامة وانسجام وهو إذا افتخر وتحمس وذكر