وقال الصولي في أخبار أبي تمام: حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال مات ابنان صغيران لعبد الله بن طاهر في يوم واحد فدخل عليه أبو تمام فأنشده:
ما زالت الأيام تخبر سائلا * أن سوف تفجع مسهلا أو عاقلا (1) فلما بلغ إلى قوله:
مجد تأوب طارقا حتى إذا * قلنا أقام الدهر أصبح راحلا نجمان شاء الله ان لا يطلعا * الا ارتداد الطرف حتى يأفلا ان الفجيعة بالرياض نواضرا * لأجل منها بالرياض ذوابلا لو ينسآن (2) لكان هذا غاربا * للمكرمات وكان هذا كاهلا لهفي على تلك المخايل فيهما * لو أمهلت حتى تكون شمائلا لغدا سكونهما حجى وصباهما * حلما وتلك الأريحية نائلا ان الهلال إذا رأيت نموه * أيقنت ان سيعود (سيصير) بدرا كاملا قال فلما سمع هذا عبد الله وكان يتعنته كثيرا قال قد أحسنت ولكنك تؤسفني وليس تعزيني فلما قال:
قل للأمير وان لقيت موقرا * منه بريب الحادثات حلاحلا ان ترز في طرفي نهار واحد * رزءين هاجا لوعة وبلابلا فالثقل ليس مضاعفا لمطية * إلا إذا ما كان وهما (3) بازلا شمخت خلالك ان يؤسيك امرؤ * أو ان تذكر ناسيا أو غافلا الا مواعظ قادها لك سمحة * اسجاح لبك سامعا أو قائلا قال الآن عزيت وأمر فكتبت القصيدة ووصله (اه) وهي قصيدة طويلة موجودة في الديوان. وفي مرآة الجنان: في هذه السفرة ألف أبو تمام كتاب الحماسة وكان سبب ذلك أنه لما وصل إلى همذان اشتد البرد فأقام ينتظر زواله وكان نزوله عند بعض الرؤساء بها وفي دار ذلك الرئيس خزانة كتب فيها دواوين العرب وغيرها فتفرع لها أبو تمام وطالعها واختار منها ما ضمنه كتاب الحماسة (اه) أقول وذلك عند رجوعه من خراسان وسيأتي الكلام على ذلك عند ذكر مؤلفاته.
أخباره مع كتاب عبد الله بن طاهر في الديوان قال يعتذر إلى إبراهيم والفضل الطائيين كاتبي عبد الله بن طاهر عن تأخره عنهما بالمطر وكانا طائيين ويمدحهما (اه) وهذا يدلنا على أن العرب انتشروا في بلاد العجم بعد الفتح الاسلامي فكان منهم الكتاب والامراء كما كان منهم العلماء والشعراء والأدباء وغيرهم قال:
قولا لإبراهيم والفضل الذي * سكنت مودته جنوب شغافي منع الزيارة والوصال سحائب * شم الغوارب جأبة (4) الأكتاف وعلمت ما يلقي المرور إذا همت * من ممطر ذفر وطين خفاف فجفوتكم وعلمت في أمثالها * أن الوصول هو القطوع الجافي وكأنما آثارها من مزنة * بالميث والوهدات والاخياف آثار أيدي آل مصعب التي * بسطت بلا من ولا إخلاف حتم عليك إذا حللت مغانهم * ان لا تراه عافيا من عافي وكأنهم من برهم وحفائهم * بالمجتدي الأضياف للأضياف وباقي أبياتها ذكرت في الصفات. وقال يمدح عبد الحميد بن غالب والفضل بن محمد بن منصور وإبراهيم بن وهب كتاب عبد الله بن طاهر من قصيدة.
أوما رأيت منازل ابنة مالك * رسمت له كيف الزفير رسومها آناؤها (5) وطلولها ونجادها * ووهادها وحديثها وقديمها اني كشفتك أزمة بأعزة * غر إذا غمر الأمور بهيمها عبد الحميد لها وللفضل الربا (6) * فيها ومثل السيف إبراهيمها حازوا خلائق قد تيقنت العلى * حق التيقن انهن نجومها اخباره مع إسحاق بن إبراهيم المصعبي المتوفي سنة 235 وهو الأمير إسحاق بن إبراهيم بن مصعب الخزاعي ابن عم طاهر بن الحسين ولي بغداد أكثر من عشرين سنة. في أخبار أبي تمام للصولي حدثني أبو بكر عبد الرحمن بن أحمد سمعت أبا علي الحسين يقول ما كان أحد أشغف بشعر أبي تمام من إسحاق بن إبراهيم المصعبي وكان يعطيه عطاء كثيرا. حدثنا أبو أحمد يحيى بن علي بن يحيى: حدثني أبي قال دخل أبو تمام على إسحاق بن إبراهيم فأنشده مدحا له وجاء إسحاق بن إبراهيم الموصلي إلى إسحاق مسلما عليه فلما استؤذن له قال له أبو تمام حاجتي أيها الأمير ان تأمر إسحاق أن يستمع بعض قصائدي فيك فلما دخل قال له ذلك فجلس وأنشده عدة قصائد فأقبل إسحاق على أبي تمام فقال أنت شاعر مجيد محسن كثير الاتكاء على نفسك يريد انه يعمل المعاني - أي يخترعها - وكان إسحاق شديد العصبية للأوائل كثير الاتباع لهم (اه) وفي أخبار أبي تمام للصولي ان أبا تمام مدح المعتصم بقصيدة فأمر له بدراهم كثيرة في صك أحاله به على إسحاق بن إبراهيم المصعبي قال أبو تمام فدخلت اليه بالصك وأنشدته مديحا له فاستحسنه وأمر لي بدون ما أمر لي به المعتصم قليلا وقال والله لو أمر لك أمير المؤمنين بعدد الدراهم دنانير لأمرت لك بذلك وفي الديوان: قال أبو تمام يمدح إسحاق بن إبراهيم ويذكر ايقاعه بالمحمر وأصحاب بابك وكانوا تواعدوا إلى موضع علم به فوقف لهم فيه فكل من جاء قتل وجزت أذنه حتى وجه إلى المعتصم بستين ألف أذن. وهذا ما نختاره من تلك القصيدة:
لإسحاق بن إبراهيم كف * كفت عافيه نوء المرزمين ونورا سؤدد وحجى إذا ما * رأيتهما رأيت الشعريين ومجد لم يدعه الجود حتى * أقام مناوئا للفرقدين سل الجبل الممنع حين افنى * عليه زخرفا نكد ومين أزلت الشك عنهم حين رانت * ضلالتهم عليهم أي رين فما أبقيت للسيف اليماني * شجى فيهم ولا الرمح الرديني وقائع أشرقت منهن جمع * إلى خيفي منى فالموقفين