المتوكل إلى العدول عن النكاح إلى السفاح كذبا وافتراء وحسدا ففي أخبار أبي تمام للصولي: حدثني أبو صالح الكاتب سمعت أبا العنبس يقول راسل أبو تمام أم البحتري في التزويج بها فأجابته وقالت له اجمع الناس للاملاك فقال الله اجل من أن يذكر بيننا ولكن نتماسح ونتسافح فكان معها بلا نكاح قال الصولي وهذا انما كذبه أبو العنبس واحتذى به حديثا حدثه به الكديمي عن الأصمعي قال جاء اسود وسوداء إلى أبي مهدية فقالا له قد أردنا التزويج فاخطب لنا فقال إن الله أجل من أن يذكر بينكما فاذهبا فاصطكا لعنكما الله.
هو من علماء العربية شهد له لذلك الزمخشري وتضلعه في علم العربية غير منكور قال في الكشاف في تفسير أوائل البقرة حين استشهد بشعره: وهو وان كان محدثا لا يستشهد بشعره في اللغة فهو من علماء العربية فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه ألا ترى إلى قول العلماء: الدليل عليه بيت الحماسة فيقتنعون بذلك لوثوقهم بروايته واتقانه (اه) وعن كتاب خزانة الأدب ان الشيخ الرضي استشهد بشعره في عدة مواضع من شرح الكافية (اه).
علمه بالشعر ستعرف عند الكلام على مؤلفاته انه ظهر علمه بالشعر ونقده له بحسن اختياره في جمعه كتاب الحماسة الذي طبق ذكره الآفاق وشرح من الشروح بما لم يشرح به غيره حتى قيل إن أبا تمام في اختياره أشعر منه في شعره. وفي أخبار أبي تمام للصولي حدثنا محمد بن يزيد الأزدي سمعت الحسن بن رجاء يقول: ما رأيت أحدا قط أعلم بجيد الشعر قديمه وحديثه من أبي تمام وفي الكتاب المذكور حدثنا الحسين بن إسحاق: سمعت ابن الدقاق يقول حضرنا مع أبي تمام وهو ينتخب أشعار المحدثين فمر به شعر محمد بن أبي عيينة المطبوع الذي يهجو خالدا فنظر فيه ورمى به وقال هذا كله مختار وهذا أدل دليل على علم أبي تمام بالشعر لأن ابن أبي عيينة أبعد الناس شبها بأبي تمام وذلك أنه يتكلم بطبعه ولا يكد فكره ويخرج ألفاظه مخرج نفسه وأبو تمام يتعب نفسه ويكد طبعه ويطيل فكره ويعمل المعاني ويستنبطها ولكنه قال هذا في ابن أبي عيينة لعلمه بجيد الشعر أي نحو كان (اه) يعني ان أبا تمام وهو ينتخب أشعار المحدثين مر به شعر ابن أبي عيينة فلما نظر فيه علم لأول نظرة انه كله شعر جيد مختار لا يحتاج إلى انتخاب وهذا يدل على علم أبي تمام بالشعر لأن ابن عيينة ينظم الشعر بطبعه بدون أعمال فكره واجهاده وأبو تمام بضد ذلك ولو كان ابن أبي عيينة شبيها بأبي تمام وشعره شبيه بشعره لهان أن يعرف أبو تمام لأول نظرة ان شعر ابن أبي عيينة من مختار الشعر ولكنه مع مباينة طريقته لطريقة أبي تمام عرف ذلك بسرعة فذلك أدل دليل على علم أبي تمام بالشعر.
شغفه بالشعر وعنايته به وسعة اطلاعه قال الآمدي في الموازنة كان أبو تمام مشتهرا بالشعر مشغوفا به مشغولا مدة عمره بتخميره ودراسته وله كتب اختيارات فيه مشهورة وذكر الكتب الستة الآتية ثم قال وهذه الاختيارات تدل على عنايته بالشعر وانه اشتغل به وجعله وكده واقتصر من كل الآداب والعلوم عليه فإنه ما شئ كبير من شعر جاهلي ولا اسلامي ولا محدث الا قرأه واطلع عليه (اه) وحسبك بشغفه بالشعر انه كان يحفظ أربعة آلاف أو أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب كما مر عند ذكر حفظه وحسبك انه ألف في الشعر هذه الكتب الستة الآتية عند ذكر مؤلفاته. ومما يدل على شغفه بالشعر واهتمامه به ما في تاريخ دمشق انه لما قدم أبو تمام من العراق قيل له ما أقدمت في سفرتك هذه قال أربعمائة ألف درهم وأربعة أبيات شعر هي أحب إلي من المال ثم أنشدها وهي لأبي نواس:
اني وما جمعت من صفد * وحويت من سبد ومن لبد همم تصرفت الخطوب بها * فنزعن من بلد إلى بلد يا ويح من حسمت قناعته * سبب المطامع من غد فغد لو لم يكن لله متهما * لم يمس محتاجا إلى أحد شاعريته أبو تمام شاعر فحل في الطليعة من فحول الشعراء وهو عند التحقيق امام الشعراء في عصره وبعده وأميرهم وقائدهم ومعلمهم وأستاذهم وصاحب صناعة الشعر وحامل لوائها والحاذق فيها والمحيط بأطرافها وعيوبها ومحاسنها والآخذ لها عن أهلها ممن تقدمه من العرب العاربة وغيرهم وكل من جاء بعده فمنه أخذ وعلى منواله نسج وله احتذى وبه اقتدى ومنه تعلم فهو في نفسه حاذق فهم وساعده على الاستفادة من حذقه وفهمه ما كان يحفظه من أشعار العرب حتى حفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من شعر العرب الذين هم حذاق صناعة الشعر فضلا عن المقاطيع فهو إذا ينظم شعرا حصينا رصينا قويا متينا جامعا لمزايا الفصاحة والبلاغة والبراعة فهو في نظم شعره يشبه بناء ماهرا بارعا وفي صياغته يشبه صائغا حاذقا فائقا يظهر ذلك على ديباجة شعره ويفهمه كل من ألم بطرائق الشعر ولا سيما شعر العرب الأول وقد نظم أبو تمام في جميع مناحي الشعر فجاء سابقا وتصرف في المعاني أبدع تصرف وأتى من المعاني المبتكرة التي لم يسبق إليها بشئ كثير ابدع فيه غاية الابداع وأبان عن قدرة وقوة في صناعة الشعر لا تلحق وجاء بما يسحر الألباب وفيما سنورده مما اخترناه من شعره أوضح دليل وأقوى برهان على ذلك فهو كما وصف نفسه حيث يقول من أبيات:
من شاعر وقف الكلام ببابه * واكتن في كنفي ذراه المنطق قد ثقفت منه الشام وسهلت * منه الحجاز ورققته المشرق وأبو تمام شاعر كأكثر الشعراء أمثال البحتري والمتنبي وابن الرومي وغيرهم الذين يمدحون للعطاء ويهجون على المنع ويقذعون في هجائهم ويفحشون ولا يتورعون عن شتم الأعراض وقذف المحصنات ويجعلون ذلك وسيلة لتحصيل الجوائز يهددون بها من يخافون منعه كما يهدد الوالي الرعية بالحبس والضرب والقتل والنفي والغرامة بل ربما كان خوف هجائهم أشد من خوف عقاب الولاة لأنه يشتهر بين الناس ويبقى على ممر الأعوام ويلحق بهم العار والشنار ولم يتجنب هذه الطريقة إلا القليل من الشعراء كأبي فراس الحمداني والشريف الرضي وأمثالهما. وشعره إذا تأمله المتأمل لم يجد فيه غالبا كلمة حشو ولا كلمة في غير موضعها ولا تركيبا ركيكا أو مختلا بل جله رصين متين متسق الألفاظ سهل ممتنع بديع المعاني مرتبط القوافي بالأبيات قد نسج البيت مع القافية نسجا واحدا وأحكم وضع القوافي مع الأبيات إحكاما لا مزيد عليه فلا تمام للبيت بدون القافية ولا يصلح ذلك