المجريطي في كتاب غاية الحكم بعد نقل مهارة أبي بكر محمد بن زكريا الرازي في علوم الطلسمات ونحوها من العلوم الحكمية بهذه العبارة: وأما البارع في هذه الصناعة على الاطلاق فهو المقدم فيها الشيخ الأجل أبو موسى جابر بن حيان الصوفي منشئ كتاب المنتخب في صنعة الطلسمات وكتاب الطلسمات الكبير الذي جعله خمسين مقالة وكتاب المفتاح في صور الدرج وتأثيراتها في الاحكام وكتاب الجامع في الأسطرلاب علما وعملا يحتوي على ألف باب ونيف ذكر فيه من الاعمال العجيبة ما لم يسبقه إليه أحد وما ظنك بكتابه الكبير في الطلسمات الذي جمع فيه من العلوم عجائب ما تشاح القوم عليها ولم يتسامحوا بذكرها من علم الطلسمات والصور والخواص وأفعال الكواكب وأفعال الطبايع وتأثيراتها وهو المنشئ لعلم الميزان والمستنبط له بعد دثوره فبحق ما صيرت نفسي لهذا الرجل تلميذا على بعد ما بيننا من المدة وأقول قد كان المجريطي المذكور إلى ما بعد ثلاثمائة وخمسين أيضا فجابر بن حيان هذا من الأقدمين وقال بعض أفاضل هذه الصنعة في ديباجة السفر الأول من كتاب المصباح في علم المفتاح وأعلم أن الحكماء المتأخرين من أهل هذه الصنعة اجمعوا على الأصول المتقدم ذكرها أيضا ولكنهم افترقوا في شرح كلام القوم على أنحاء كثيرة فكل منهم تكلم بكلام فتح عليه من الرموز ووضع الأسماء والكنايات مثل الأمير خالد بن يزيد فإنه أبدع في كتابه الفردوس ما لا يخفى على أهل التحصيل وله في المنثور كتب أخرى ومصنفات عالية وقفنا عليها واستفدنا منها ومن بعده الأستاذ الكبير جابر بن حيان فإنه الأستاذ العظيم الشأن هو أستاذ كل من وصل بعده إلى هذه الصناعة الكريمة لكنه فرق العلم في كتب كثيرة فمن اطلع على كثير من كتبه وكان من أهل الفهم والاشراق فإنه يستفيد منه ما قسم له من أسباب الوصول، ثم من بعده الامام مؤيد الدين الطغرائي وأعلى كتبه المصابيح والمفاتيح، والأستاذ الكبير العلامة سلمة المجريطي وله كتب جليلة في هذه الصناعة، وكذلك الأستاذ الكبير العارف الصادق محمد بن أميل التميمي وأجل كتبه كتاب مفتاح الحكمة العظمى، وكذلك الأستاذ الكبير صاحب المكتسب - وأنه أخفى اسمه ولم نقف له على ترجمة، وقد شرحنا كتابه المكتسب في كتابنا (نهاية الطلب) وبينا مقاصده، ولعله أوضح ما لم يوضح من تقدمه، وحذونا حذوه في الايضاح والبيان - وأما الأستاذ الكبير أبو الحسن علي بن موسى صاحب الشذور، فقد شرحنا صدر كتابه في عدة كتب لنا، وشرحنا جميع ديوانه في كتابنا المسمى (غاية السرور) في أربعة أجزاء، فمن تأملها بحسن نظر واعتبار فقد أدرك المعاني الغامضة المتعلقة بعلم الحجر وعلم الميزان، وهو أيضا أربعة جزاء كبار، وذكرنا فيه أجزاء كثيرة من العلم الطبيعي والإلهي على مقدمات أصول القوم، وشرحنا فيه كتاب بليناس في الأصنام السبعة، وكتاب جابر في الأجساد السبعة، وحللنا فيه غالب كتب الموازين لجابر، ووعدنا فيه بكتابنا هذا الذي سميناه (المصباح في علم المفتاح) وجعلناه الخلاصة من جميع ما ألفناه لأنه الحاوي لمفاتيح أبواب كنوز الصناعة وبه يحل الطالب جميع المشكلات من رموزهم، فمن أوصله الله تعالى إلى كتابنا هذا فليحمد الله ويشكره، ويحسن فيه النظر حتى يبلغ العلم ويتسلم المفتاح بإذن الله الملك الفتاح، إلى أن قال فالله الله الله يا أخي في كتمان هذا العلم المصون عن غير أهله والسلام وبالله التوفيق على الدوام. ثم ذكر في أواخر هذا الكتاب: ان من جملة الأسباب لتأليفنا هذا أنه قد ثبت عندنا بطريق البرهان ثبوت الصناعة الإلهية من طريق المادة الأصلية للحجر المكرم والإكسير الأعظم فيسر الله تعالى علينا أن سلكنا الطريق الوسطى التي هي جادة القوم وعليها أكثر الرموز وقد صورت صورها في المصاحف والكنوز، فثبت عندنا صحة الطريق الوسطى، فتصورنا بالبرهان أنه لا سبيل لاحد إلى الوصول للإكسير الأعظم إلا من هذا الطريق، وكنت أتعجب من أقوال جابر في الباب الأعظم والأكبر الأصغر وأظن أن هذا من جملة رموزه، ثم اطلعت للأمير خالد بن يزيد في كتبه على إشارات وطرق وعبارات مباينة لما نحن عليه من سلوك تلك الجادة، فما زالت في حيرة من التناقض في ذلك ولم يثبت عندي ان الرصاص الاسربي مستحيل ذهبا إلا في الإكسير الأوسط المنصوص عليه بالبرهان أنه ينقلب فضة من غير الإكسير الحق المشاهد المنصوص عليه بالبرهان، فأخذت في الرحلة إلى طلب العلم من صدور الرجال حتى درت الآفاق وجمعت من الكتب الجابرية ما يزيد على ألف كتاب، واطلعت بحمد الله تعالى على كتب غالب الحكماء في غالب الأبواب، ولا زلت ارتاض بالعلم والعمل إلى أن اطلعني الله على علم الميزان وعلى التراكيب الكثيرة من سائر الأركان، ورأينا من نتائج العلوم العجائب والغرائب، وكنا قد أثبتنا في التصانيف الأولى ما علمناه من العلم بالطريق الأوسط والجادة الأولى، ثم انفتح علينا الباب الأعظم وما دونه من الأبواب فاستخرنا الله تعالى ووضعنا كتابنا المعروف (بنهاية الطلب) وكتابنا المسمى (بالتقريب في اسرار التركيب) ثم المختصر المسمى (بالبرهان) وشرحه المسمى (بسراج الأذهان)، وكتابنا المسمى (بالشمس المنير والمصحف الكبير فيما يتعلق بالإكسير) وكتابنا المسمى (بكنز الاختصاص في علم الخواص). ثم لما رأينا صعوبة الطريق على الطلاب من كل وجه وباب فاستخرت الله تعالى وصنفت هذا الكتاب ولم أترك عليه رمزا ولا حجابا إلا بعض ألفاظ علمت عليها ببعض الأقلام حرصا على العلم لئلا يبتذل لمن لا يستحقه من الأرذال والعوام اه.
اما تشيعه فيدل عليه عد ابن طاوس له في منجمي الشيعة، ورواية ابني بسطام عنه عن الصادق عليه السلام، وروايته خمسمائة رسالة للصادق عليه السلام كما ذكره اليافعي. ونقل ابن النديم عن الشيعة انه من كبارهم واحد الأبواب، وأنه صاحب جعفر الصادق ومن أهل الكوفة المعروفين بالتشيع وأنه إنما كان يعني بسيده جعفر هو الصادق لا جعفر البرمكي، ولا ينافيه زعم الفلاسفة انه منهم فإنه لا تنافي بين كونه فيلسوفا وشيعيا، إذ المراد الفلسفة الاسلامية لا فلسفة الحكماء القدماء التي قد تنافي الشريعة، وقول ابن النديم أن له كتبا في مذاهب الشيعة كما تقدم ذلك كله.
وأما علمه بصناعة الكيمياء فالمستفاد مما مر أنه كان عالما بصناعة الكيمياء متعاطيا لها فهو قد كان كيماويا مولعا بذلك كما يدل عليه أسماء كتبه الآتية، وأما خبر الازج الذي وجد فيه هاون الذهب كما مر إن صح فلا يدل على أنه من صناعته، بل يجوز أن يكون قد وجد هذا الهاون في هذا الازج، فأرسل السلطان من يقبضه الناس انه من صناعته وأن المحل الذي وجد فيه كان داره، ومثل ذلك يقع كثيرا ولا أصل له، فمن اشتهر بشئ نسب الناس كل ما يتعلق به إليه، وإلا فيبعد علمهم بمحل داره بعد مئات السنين والله أعلم وقد أكثر الناس الكلام في صناعة الكيمياء وصحتها وعدمها حتى قال بعضهم: