الكوفة، وقد اختلف في فتح المدائن فقيل: انه كان سنة 16 وقيل سنة 19 ذكر القولين ابن الأثير في الكامل، وقال ابن الأثير: قيل إن حذيفة كان مع سعد، فكتب حذيفة إلى عمر يشكو تغير أجسام العرب. فكتب عمر إلى سعد ان أبعث سلمان وحذيفة رائدين، فخرج سلمان في غربي الفرات وحذيفة في شرقيه حتى أتيا الكوفة فأعجبتهما، فارتحل سعد من المدائن حتى نزل الكوفة في المحرم سنة 17، بناء على أن فتح المدائن سنة 16 أو سنة 20، بناء على أن فتح المدائن سنة 19. وفي الطبقات الكبير لابن سعد عن الواقدي قال: استعمل عمر بن الخطاب حذيفة على المدائن، ثم روى بسنده عن طلحة قال: قدم حذيفة بالمدائن على حمار باكافه سادلا رجليه ومعه عرق ورغيف وهو يأكل. ورواه أبو نعيم في الحلية، وفي بعض رواياته: وهو يأكل على الحمار وهو سادل رجليه من جانب. وفي الإصابة: قال العجلي استعمله عمر على المدائن فلم يزل بها حتى مات بعد قتل عثمان وبعد بيعة علي بأربعين يوما. ومثله في تاريخ دمشق. وروى الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن ابن سيرين قال: كان عمر بن الخطاب إذا بعث أميرا كتب إليهم: اني قد بعثت إليكم فلانا وأمرته بكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا. فلما بعث حذيفة إلى المدائن كتب إليهم: اني قد بعثت إليكم فلانا فأطيعوه. فقالوا: هذا رجل له شان فركبوا ليتلقوه، فلقوه على بغل تحته أكاف وهو معترض عليه رجلاه من جانب واحد فلم يعرفوه فأجازوه فلقيهم الناس فقالوا لهم: أين الأمير؟ قالوا: هو الذي لقيتم فركضوا في أثره فأدركوه وفي يده رغيف وفي الأخرى عرق وهو يأكل، فسلموا عليه فنظر إلى عظيم منهم فناوله العرق والرغيف، فلما غفل ألقاه أو قال أعطاه خادمه وفي أسد الغابة قال محمد بن سيرين كان عمر إذا استعمل عاملا كتب عهده: وقد بعثت فلانا وأمرته بكذا. فلما استعمل حذيفة على المدائن كتب في عهده ان اسمعوا له وأطيعوه وأعطوه ما سألكم فلما قدم المدائن استقبله الدهاقين فلما قرأ عهده قالوا سلنا ما شئت، قال:
أسألكم طعاما آكله وعلف حماري ما دمت فيكم، فأقام فيهم. ثم كتب اليه عمر ليقدم عليه، فلما بلغ عمر قدومه كمن له على الطريق، فلما رآه عمر على الحال التي خرج من عنده عليها أتاه عمر فالتزمه وقال: أنت أخي وانا أخوك اه. وقد صرح المؤرخون بأنه بقي واليا على المدائن إلى أن قتل عثمان وبويع علي بن أبي طالب ومات بعد بيعته بأربعين يوما، لكنهم لم يذكروا أن عثمان ولاه المدائن أو عزله ثم ولاه، الا ان الديلمي في ارشاد القلوب روى مرفوعا قال لما استخلف آوى اليه عمه الحكم بن العاص وولده مروان والحارث بن الحكم ووجه عماله في الأمصار وكان فيمن وجه الحارث بن الحكم إلى المدائن، فأقام بها مدة يتعسف أهلها ويسئ معاملتهم، فوفد منهم إلى عثمان وفد يشكونه وأعلموه بسوء ما يعاملهم به وأغلظوا عليه في القول، فولى حذيفة بن اليمان عليهم وذلك في آخر أيامه، فلم ينصرف حذيفة عن المدائن إلى أن قتل عثمان واستخلف علي بن أبي طالب فأقام حذيفة عليها، وكتب اليه علي عليه السلام.
كتاب علي عليه السلام إلى حذيفة بتوليته المدائن بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى حذيفة بن اليمان سلام عليك أما بعد فاني قد وليتك ما كنت عليه لمن كان قبلي من جرف المدائن، وقد جعلت إليك أعمال الخراج والرستاق وجباية أهل الذمة فاجمع إليك ثقاتك ومن أحببت ممن ترضى دينه واعانته، واستعن بهم على أعمالك، فان ذلك أعز لك ولوليك وأكبت لعدوك. واني آمرك بتقوى الله وطاعته في السر والعلانية، وأحذرك عقابه في المغيب والمشهد، وأتقدم إليك بالاحسان إلى المحسن والشدة على المعاند، وآمرك بالرفق في أمورك واللين والعدل في رعيتك، فإنك مسؤول عن ذلك، وانصاف المظلوم، والعفو عن الناس، وحسن السيرة ما استطعت فالله يجزي المحسنين، وآمرك ان تجبي خراج الأرضين على الحق والنصفة، ولا تتجاوز ما تقدمت به إليك ولا تدع منه شيئا ولا تبتدع فيه امرا ثم اقسمه بين أهله بالسوية والعدل واخفض لرعيتك جناحك، وواس بينهم في مجلسك وليكن القريب والبعيد عندك في الحق سواء واحكم بين الناس بالحق وأقم فيهم بالقسط ولا تتبع الهوى ولا تخف في الله لومة لائم فان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وقد وجهت إليك كتابا لتقرأه على أهل مملكتك ليعلموا رأينا فيهم وفي جميع المسلمين فاحضرهم واقرأه عليهم، وخذ البيعة لنا على الصغير والكبير منهم انشاء الله تعالى. فلما وصل عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى حذيفة جمع الناس فصلى بهم، ثم أمر بالكتاب فقرئ عليهم وهو:
كتاب علي عليه السلام إلى أهل المدائن حين ولى عليهم حذيفة بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين! سلام عليكم فاني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو وأساله أن يصلي على محمد وآله. فاما بعد فان الله تعالى اختار الاسلام دينا لنفسه وملائكته ورسله أحكاما لصنعه وحسن تدبيره ونظرا منه لعباده، وخص به من أحب من خلقه، فبعث إليهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فعلمهم الكتاب والحكمة اكراما وتفضيلا لهذه الأمة، وأد بهم لكي يهتدوا وجمعهم لئلا يتفرقوا ووقفهم لئلا يجوروا، فلما قضى ما كان عليه من ذلك مضى إلى رحمة الله به حميدا محمودا، ثم إن بعض المسلمين أقاموا بعده رجلين رضوا بهداهما وسيرتهما، فأقاما ما شاء الله، ثم توفاهما الله عز وجل، ثم ولوا بعدهما الثالث فأحدث أحداثا ووجدت الأمة عليه فعالا، فاتفقوا عليه ثم نقموا منه فغيروا، ثم جاءوني كتتابع الخيل فبايعوني فاني أستهدي الله بهداه وأستعينه على التقوى، الا وان لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة نبيه عليه السلام والقيام عليكم بحقه واحياء سنته والنصح لكم بالمغيب والمشهد وبالله نستعين على ذلك وهو حسبنا ونعم الوكيل، وقد وليت أموركم حذيفة بن اليمان وهو ممن ارتضي بهداه وأرجو صلاحه، وقد أمرته بالاحسان إلى محسنكم والشدة على مريبكم والرفق بجميعكم، أسال الله لنا ولكم حسن الخبرة والاحسان ورحمة الله الواسعة في الدنيا والآخرة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال: ثم إن حذيفة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد وآل محمد ثم قال:
خطبة حذيفة بالمدائن لما وليها من قبل علي عليه السلام ودعوته الناس إلى البيعة الحمد لله الذي أحيا الحق وأمات الباطل وجاء بالعدل ودحض الجور وكبت الظالمين، أيها الناس! انما وليكم الله ورسوله وأمير المؤمنين حقا حقا