وقوله:
كف الندى أضحت بغير بنان * وقناته أمست بغير سنان وقوله:
أراك أكبرت إدماني على الدمن * وحملي الشوق من باد ومكتمن وقوله:
حتام دمعك مسفوح على الدمن * بانوا وشوقك لم يظعن ولم يبن وقوله:
إحدى بني بكر بن عبد مناه * بين الكثيب الفرد فالأمواه مطالعه الغير المستحسنة قدك اتئب أربيت في الغلواء * كم تعذلون وأنتم سجرائي وقوله:
هن عوادي يوسف وصواحبه * فعزما فقد ما أدرك السؤل طالبه وسيأتي أن أبا العميثل وأبا سعيد الضرير لما سمعا هذا الابتداء أسقطا القصيدة فلما سمعا باقيها استحسناه. وفي معاهد التنصيص أنه لما أنشد أول القصيدة أنكر عليه أبو العميثل وقال له لم لا تقول ما يفهم فقال له لم لا تفهم ما يقال؟ فاستحسن منه هذا الجواب على البديهة. وقوله قد نابت الجزع من أروية النوب * واستحقبت جدة من دارها الحقب وقوله:
صرف النوى ليس بالمكيث * ينبث ما ليس بالنبيث وقوله كشف الغطاء فأوقدي أو أخمدي * لم تكمدي فظننت أن لم تكمدي وقوله:
أرض مصردة وأخرى تثجم * تلك التي رزقت وأخرى تحرم وقوله:
أزعمت أن الربع ليس يتيم * والدمع في دمن عفت لا يسجم وقوله وهو من المطالع التي استهجنها المتنبي:
خشنت عليه أخت بني خشين * وأنجح فيك قول العاذلين وقوله:
تقي جمحاتي لست طوع مؤنبي * وليس جنيبي إن عذلت بمصحبي وقوله هن البجاري يا بجير * أهدى لها الأبؤس الغوير وقوله:
أقرم بكر تباهي أيها الخفض * ونجمها أي هذا الهالك الجرض (الخفض) الجمل الضعيف (والجرض) الغصص. ومن شروط حسن المطلع أن لا يكون متعلقا بما بعده من الأبيات، ولذلك جعل من المطالع الغير المستحسنة قول أبي تمام.
أما إنه لولا الخليط المودع * وربع عفا منه مصيف ومربع لتعلقه بالبيت الذي بعده وهو قوله:
لردت على أعقابها أريحية * من الشوق واديها من الدمع مترع وقوله أيضا:
لو أن دهرا رد رجع جواب * أو كف من شأويه طول عتاب لتعلقه بما بعده أيضا وهو قوله:
لعذلته في دمنتين بامرة * ممحوتين لزينب ورباب 2 - الجناس وهو تشابه الكلمتين في اللفظ مشتق من الجنس، وهو من أنواع البديع ومن محسنات الكلام، لأن تجانس الأشياء وتشابهها يحدث في النفس ميلا إليها، ولكنه قد يكون متكلفا مستهجنا، فيورث الكلام قبحا، وهو على أنواع. وقد أكثر أبو تمام في شعره من التجنيس إكثارا مفرطا، حتى أنك لا تكاد تجد قصيدة لا يكون في كثير من أبياتها جناس. واستقصاء ذلك يطول به الكلام، لكننا نذكر طرفا مقنعا منه، وبسبب إكثاره من الجناس وتعمده له وقع له بعض الجناسات المستقبحة - كما يأتي - وقد جرت العادة بمثل ذلك لكل من تعمد أنواع البديع وتكلفها ولم يقتصر على ما يجئ عفو الطبع. ونذكر لك مثالا واحدا من تجنيسه في قصيدة واحدة لتقيس ما بقي عليه. فهو يقول من قصيدة يمدح بها محمد بن عبد الملك الزيات:
متى أنت عن ذهلية الحي ذاهل * وقلبك منها مدة الدهر آهل تطل الطلول الدمع في كل موقف * وتمثل بالصبر الديار المواثل دوارس لم يجف الربيع ربوعها * ولامر في أغفالها وهو غافل فقد سحبت فيها السحائب ذيلها * وقد أخملت بالنور منها الحمائل تعفين من زاد العفاة إذا انتحى * على الحي صرف الأزمة المتحامل لهم سلف سمر العوالي وسالف * وفيهم جمال لا يغيض وجامل ليالي أضللت العزاء وخذلت * بعقلك آرام الظباء العقائل فهذه سبعة أبيات متتالية من قصيدة واحدة في كل منها تجنيس أو تجنيسان، ويقول فيها:
ولم تنظم العقد الكعاب لزينة * كما تنظم الشمل الشتيت الشمائل ويقول في الممدوح:
من البيض لم تنض الأكف كنصله * ولا حملت مثلا إليه الحمائل ترى حبله عريان عن كل غدرة * إذا نصبت تحت الحبال الحبائل ويقول في وصف القصيدة:
ترد قوافيها إذا هي أرسلت * هوامل مجد القوم وهي هوامل الجناس التام وهو ما تماثل ركناه لفظا واختلفا معنى، منه قوله:
ما مات من كرم الزمان فإنه * يحيا لدى يحيى بن عبد الله وقوله: فاعقل بنضو الدار نضوك يقتسم * فرط الصبابة مسعد وحزين (النضو) بالكسر المهزول من الإبل ويستعار للرجل النحيل وأراد بنضو الدار الثاني وبنضوك الأول، والحزين هو نضو الدار والمسعد المخاطب بهذا الكلام، وقوله:
ترد قوافيها إذا هي أرسلت * هوامل مجد القوم وهي هوامل