حيان الصوفي تلميذ جعفر الصادق كتابا يشتمل على ألف ورقة يتضمن رسائله وهي خمسمائة رسالة اه. وفي عيون الانباء في ترجمة أبي بكر محمد بن زكريا الرازي انه نقل كتاب الاس لجابر إلى الشعر. وفي ترجمة عبد اللطيف البغدادي أنه قال: ورد إلى بغداد رجل مغربي قد أمعن في كتب الكيمياء والطلسمات وما يجري مجراها، واتى على كتب جابر بأسرها. ثم قال عبد اللطيف عن نفسه: وحصلت كثيرا من كتب جابر بن حيان الصوفي اه. كل ذلك يدلنا على اشتهار جابر بن حيان وكتبه واعتناء العلماء بها، ويعبر عنه الرازي بأستاذنا كما في فهرست ابن النديم، وترجم بعض كتبه كما مر عن عيون الأنباء.
وقال ابن النديم في الفهرست: اخبار جابر بن حيان وأسماء كتبه:
هو أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الكوفي المعروف بالصوفي.
واختلف الناس في أمره، فقال الشيعة انه من كبارهم واحد الأبواب - يعني أبواب أئمة أهل البيت وحملة علومهم -، وزعموا أنه كان صاحب جعفر الصادق وكان من أهل الكوفة، وزعم قوم من الفلاسفة انه كان منهم وله في المنطق والفلسفة مصنفات وزعم أهل صناعة الذهب والفضة ان الرياسة انتهت اليه في عصره وأن أمره كان مكتوما. قال وزعموا أنه كان ينتقل في البلدان لا يستقر به بلد خوفا من السلطان على نفسه. وقيل إنه كان في جملة البرامكة ومنقطعا إليهم ومتحققا بجعفر بن يحيى، فمن زعم هذا قال إنه عنى بسيده جعفر هو البرمكي، وقالت الشيعة انما عنى جعفر الصادق. وحدثني بعض الثقات ممن تعاطى الصنعة - اي صنعة الكيمياء - انه كان ينزل في شارع باب الشام في درب يعرف بدرب الذهب وقال لي هذا الرجل ان جابرا كان أكثر مقامه بالكوفة وبها كان يدبر الإكسير لصحة هوائها ولما أصيب بالكوفة الازج (1) الذي وجد فيه هارون ذهب فيه نحو مائتي رطل. ذكر هذا الرجل أن الموضع الذي أصيب ذلك فيه كان دار جابر بن حيان فإنه لم يصب في ذلك الازج غير الهاون فقط وموضع قد بني للحل والعقد في هذا في أيام عز الدولة ابن معز الدولة. وقال لي أبو سبكتكين دستاردار انه هو الذي خرج ليستلم ذلك وقال جماعة من أهل العلم وأكابر الوراقين ان هذا الرجل - يعني جابرا - لا أصل له ولا حقيقة وبعضهم قال إنه ما صنف - ان كان له حقيقة - الا كتاب الرحمة وان هذه المصنفات صنفها الناس ونحلوه إياها. وأنا أقول - اي ابن النديم - ان رجلا فاضلا يجلس ويتعب فيصنف كتابا يحتوي على الفي ورقة يتعب قريحته وفكره باخراجه ويتعب يده وجسمه بنسخه ثم ينحله لغيره اما موجودا أو معدوما ضرب من الجهل وان ذلك لا يستمر على أحد ولا يدخل تحته من تحلى ساعة واحدة بالعلم واي فائدة في هذا وأي عائدة، والرجل له حقيقة وأمره اظهر واشهر وتصانيفه أعظم وأكثر ولهذا الرجل كتب في مذاهب الشيعة وانا أوردها في مواضعها وكتب في معان شتى من العلوم قد ذكرتها في مواضعها من الكتاب اه.
وقال إسماعيل مظهر في كتابه تاريخ الفكر العربي: لعل جابر بن حيان اشهر من يذكره تاريخ العلم في العصر العربي من العلماء فإن اسمه يقترن من حيث الشهرة ومن حيث الأثر النافع بأسماء العظماء من رواد الحضارة والعمران ولقد قال فيه الأستاذ (برتيلو) المؤلف الفرنسي صاحب كتاب تاريخ الكيمياء في القرون الوسطى ان اسمه ينزل في تاريخ الكيمياء منزلة اسم أرسطوطاليس في تاريخ المنطق فكأن جابرا عند برتيلو أول من وضع لعلم الكيمياء قواعد علمية تقترن باسمه في تاريخ الدنيا وقد عرف جابر بن حيان في العالم اللاتيني باسم جبير (2) عاش جابر بن حيان في بلاط هارون الرشيد في بغداد وكان على صلة حسنة بالبرامكة والظاهر من سيرته انه كان أشد تعلقا بهم منه بخليفة المسلمين لأن البرامكة كانوا يعلقون على علم الكيمياء شأنا كبيرا وكانوا يشتغلون بذلك العلم ويدرسونه درسا عميقا ولقد ذكر جابر في كتابه الخواص كثيرا من المحاورات التي وقعت بينه وبينهم في معضلات هذا العلم والظاهر أنه كان له نصيب من الاشتغال بعلم الطب وطرق العلاج لأنه كان من الشائع في ذلك العهد ان يقترن العلم الكيمياء بالعمل في صناعة الطب اه ثم حكى عن الجلدقي في كتابه نهاية المطلب انه روى كثيرا مما عانى الكيماويون من العرب في أول اشتغالهم بهذا العلم من الاضطهاد والمصاعب وذكر عن جابر بن حيان انه خلص من الموت مرارا عديدة كما أنه قاسى كثيرا من انتهاك الجهلاء لحرمته ومكانته وانهم كانوا يحسدونه على علمه وفضله وانه اضطر إلى الافضاء ببعض اسرار الصناعة - اي الكيمياء - إلى هارون الرشيد والى يحيى البرمكي وابنيه الفضل وجعفر وان ذلك هو السبب في غناهم وثروتهم ولما ساورت الرشيد الشكوك في البرامكة عرف ان غرضهم نقل الخلافة إلى العلويين مستعينين على ذلك بمالهم وجاههم وقتلهم عن اخرهم اضطر جابر بن حيان ان يهرب إلى الكوفة خوفا على حياته حيث ظل مختبئا إلى أيام المأمون فظهر بعد احتجاجه اه.
مقال الدكتور احمد فؤاد الاهواني من مقال طويل نشره في مجلة المجلة المصرية: هو اشهر علماء العرب، وأول من أرسى قواعد العلم التجريبي، وأول من اخرجه من السر إلى العلن، فأسدى بذلك إلى العلم عامة وإلى حضارة العرب بوجه خاص فضلا عظيما. فقد أباح العلم بعد أن كان مقصورا على أفراد يحتكرونه ويتداولونه سرا، فعم بذلك النفع، وشمل جميع مرافق الحياة، وترتب على ذلك ازدهار الحضارة العربية وتقدمها قرونا طويلة من الزمان. لأن المظهر المحسوس للحضارة يتجلى في صناعاتها وفي ألوان الرفاهية التي يستخدمها الإنسان في معيشته.
ومع أن جابرا كان على سنة مفكري العرب وفلاسفتهم مشاركا في جميع العلوم من فلك ورياضيات وطب ومنطق وفلسفة، الا ان عنايته الكبرى اتجهت إلى الكيمياء، وألف في هذا العلم، أو (الصنعة) كما كانت تسمى عند العرب، التصانيف الغزيرة، وأجرى التجارب الكثيرة، ورسم له منهجه، وحدد موضوعه، وحاول أن يرده إلى أصول نظرية، فكان بذلك، وبحق، مؤسس علم الكيمياء. وقامت على أساس مباحثه مدرسة، وظهر بعده تلاميذ، وأصبح علم الكيمياء ينسب إليه، وأضحى جابر علما عليه، كما يقال (أبقراط) عنوانا على الطب، أو (بطليموس) علما على الفلك. وحين اتجهت أوروبا إلى العرب تغترف من بحر علومهم، لم تجد اماما في الكيمياء سوى جابر، فنقلت اسمه وكتبه وعلمه، واشتهر عندهم باسم Geber وباللاتينية Geberus كما نقلوا عن تلميذه الرازي. ونقل جيرار الكريموني في أكبر الظن، (كتاب السبعين)