فصاح دعبل أحسن والله وجعل يردد في دمع أنجدني على ساكني نجد) ثم قال الله لو كان ترك لي شيئا من شعره لقلت انه أشعر الناس (اه) وذكره الصولي في اخبار أبي تمام مثله وفي هبة الأيام: قال رجل للحسن بن وهب أن أبا تمام سرق من رجل يقال له مكنف من ولد زهير بن أبي سلمى وهو رجل من الجزيرة قصيدته التي يقول فيها.
كأن بني القعقاع يوم وفاته * نجوم سماء خر من بينها البدر توفيت الآمال بعد دفاقة * وأصبح في شغل عن السفر السفر فقال الحسن بن وهب هذا دعبل حكاه وأشاعه في الناس وقد كذب وشعر مكنف عندي ثم امر باخراجه فأخرجت هذه القصيدة فقرأها الرجل فلم يجد فيها شيئا مما قال أبو تمام في قصيدته ثم دخل دعبل علي الحسن بن وهب فقال يا أبا علي بلغني انك قلت في أبي تمام كيت وكيت فهبه سرق هذه القصيدة كلها وقبلنا قولك اسرق شعره كله أتحسن ان تقول كما قال (شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي) البيتين فانخزل دعبل واستحيا فقال له الحسن بن وهب إن الندم توبة وهذا الرجل قد توفي ولعلك كنت تعاديه في الدنيا حسدا على حظه منه وقد مات الآن وحسبك من ذكره فقال له أصدقك يا أبا علي ما كان بيني وبينه شئ الا اني سألته ان ينزل لي عن شعره فبخل علي وانا الآن امسك عن ذكره فضحك من قوله واعترافه بما اعترف (اه) وهذا معنى ما مر من قوله لو كان ترك لي شيئا من شعره لقلت انه أشعر الناس ولكن هذا لا يقبله عقل فدعبل - وهو في طليعة الشعراء - لم يكن مفتقرا إلى أن يتنازل له أبو تمام عن شئ من شعره وهبه كان مفتقرا فشعر أبي تمام كان مشهورا قد تناقلته الرواة ودعبل يعلم بذلك فلو تنازل له عن شئ منه لما نسب الا إلى السرقة على اننا لم نسمع حتى اليوم بشاعر طلب إلى آخر أن يتنازل عن شئ من شعره لينسبه إلى نفسه.
وفي اخبار أبي تمام للصولي بعد ذكر الحديث السابق للحسن بن وهب مع دعبل ما لفظه: ولهذا الشعر خبر حدثني عبد الله بن المعتز قال جاءني محمد بن يزيد النحوي فاحتبسته فأقام عندي فجرى ذكر أبي تمام فلم يوفه حقه وكان في المجلس رجل من الكتاب نعماني ما رأيت أحدا احفظ لشعر أبي تمام منه فقال له يا أبا العباس ضع في نفسك من شئت من الشعراء ثم انظر أيحسن أن يقول مثل ما قاله أبو تمام لأبي المغيث موسى بن إبراهيم الرافقي يعتذر اليه (شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي) البيتين - ثم مد فيها حتى بلغ إلى قوله في الاعتذار.
اتاني مع الركبان ظن ظننته * لففت له رأسي حياء من المجد لقد نكب الغدر الوفاء بساحتي * إذا وسرحت الذم في مسرح الحمد جحدت إذا كم من يدلك شاكلت * يد القرب أعدت مستهاما على البعد ومن زمن ألبستنيه كأنه * إذا ذكرت أيامه زمن الورد وكيف وما أخللت بعدك بالحجى * وأنت فلم تخلل بمكرمة بعدي أسربل هجو القول من لو هجوته * إذا لهجاني عنه معروفه عندي كريم متى أمدحه أمدحه والورى * معي ومتى ما لمته لمته وحدي فان يك جرم عن أوتك هفوة * على خطا مني فعذري على عمد فقال أبو العباس محمد بن يزيد: ما سمعت أحسن من هذا قط ما يهضم هذا الرجل حقه إلا أحد رجلين إما جاهل بعلم الشعر ومعرفة الكلام وإما عالم لم يتبحر شعره ولم يسمعه قال أبو العباس عبد الله بن المعتز وما مات أي المبرد إلا وهو منتقل عن جميع ما كان يقوله مقر بفضل أبي تمام واحسانه (اه) وفي اخبار أبي تمام للصولي: حدثنا أبو عبد الله الآلوسي أخبرني أبو محمد الخزاعي المكي صاحب كتاب مكة عن الأزرقي قال بلغ دعبلا ان أبا تمام هجاه عندما قال قصيدته التي رد فيها على الكميت وهي:
أفيقي من ملامك يا ظعينا * كفاك اللوم مر الأربعينا فقال أبو تمام:
نقضنا للخطيئة ألف بيت * كذاك الحي يغلب ألف ميت وذلك دعبل يرجو سفاها * وحمقا ان ينال مدى الكميت إذا ما الحي ناقض جذم قبر * فذلكم ابن زانية بزيت وان دعبلا لما بلغته هذه الأبيات قال.
يا عجبا من شاعر مفلق * اباؤه في طئ تنمي أنبئته يشتم من جهله * أمي وما أصبح من همي فقلت لكن حبذا أمه * طاهرة زاكية علمي اكذب والله على أمه * ككذبه أيضا على أمي قال الصولي وقد رويت هذه الأبيات التائية لأبي سعد المخزومي ورويت الأبيات الميمية لغير دعبل في أبي تمام.
اخباره مع إبراهيم بن العباس الصولي كان إبراهيم هذا كاتبا شاعرا تنقل في الاعمال الجليلة والولايات إلى أن مات وهو يتولى ديوان الضياع والنفقات للمتوكل وهو عم والد أبي بكر الصولي وذكرت ترجمته في محلها من كتاب الأعيان.
في اخبار أبي تمام لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي حدثني أبو ذكوان:
حدثني عمك أحمد بن عبد الله طماس قال كنت عند عمي إبراهيم بن العباس فدخل عليه رجل فرفعه حتى جلس إلى جانبه أو قريبا ثم حادثه إلى أن قال له يا أبا تمام ومن بقي ممن يعتصم به ويلجأ اليه فقال أنت فلا عدمت وكان إبراهيم تاما فأنشده.
يمد نجاد السيف حتى كأنه * بأعلى سنامي فالج يتطوح ويدلج في حاجات من هو نائم * ويوري كريمات الندى حين يقدح إذا اعتم بالبرد اليماني خلته * هلالا بدا في جانب الأفق يلمح يزيد على فضل الرجال فضيلة * ويقصر عنه مدح من يتمدح فقال له أنت تحسن قائلا وراويا ومتمثلا فلما خرج تبعته فقلت امل علي هذه الأبيات فقال هي لأبي الجويرية العبدي يقولها للجنيد بن عبد الرحمن فأخرجتها من شعره وفي اخبار أبي تمام للصولي: حدثني أبو الحسين بن السخي حدثني الحسن بن عبد الله سمعت إبراهيم بن العباس يقول لأبي تمام وقد أنشده شعرا له في المعتصم يا أمراء أبا تمام امراء الكلام رعية لاحسانك فقال له أبو تمام ذك لأني استضئ برأيك وارد شريعتك.
(اخذ إبراهيم بن العباس في نثره من شعر أبي تمام) في اخبار أبي تمام للصولي: حدثني القاسم بن إسماعيل أبو ذكوان قال سمعت عمك (1) إبراهيم بن العباس الصولي يقول ما اتكلت في مكاتبتي الا على ما يجيله خاطري ويجيش به صدري الا قولي: وصار ما كان يحرزهم يبرزهم وما كان يعقلهم يعتقلهم وقولي في رسالة أخرى.