قال الصولي فتمثل بشعر أبي تمام وهو لا يدري ولعله لو درى ما تمثل به وكذلك فعل في النوادر جاء فيها بكثير من أشعار المحدثين ولعله لو علم بذلك ما فعله اه قال الآمدي في الموازنة حكاية عن صاحب أبي تمام:
وأما ابن الاعرابي فكان شديد التعصب على أبي تمام بغرابة مذهبه ولأنه كان يرد عليه من معانيه ما لا يفهمه ولا يعلمه فكان إذا سئل عن شئ منها يأنف أن يقول لا أدري فيعدل إلى الطعن عليه والدليل على ذلك أنه أنشد يوما أبياتا من شعره وهو لا يعلم قائلها فاستحسنها وأمر بكتبها فلما عرف انه قائلها قال خرقوا وكان ابن الاعرابي على علمه وتقدمه قد حمل نفسه على هذا الظلم القبيح والتعصب الظاهر. اخباره مع علي بن الجهم كان علي بن الجهم شاعرا مجيدا وكان صديقا لأبي تمام ورثى أبا تمام بعد موته كما يأتي وأراد علي بن الجهم سفرا فكتب اليه أبو تمام الأبيات الآتية يمدحه بها ويتألم لفراقه كما في ديوان أبي تمام ومن الغريب مصادقة ناصبي وشيعي فابن الجهم كان ناصبيا حتى بلغ من نصبه أنه هجا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فهجاه البحتري لأجل ذلك بهجاء مقذع من جملته:
بأية حالة تهجو عليا * بما لفقت من كذب وزور في أبيات اخر اقذع فيها البحتري كما أن دعبلا الخزاعي كان يعادي أبا تمام وهو على مذهبه في التشيع والبحتري كان صديق أبي تمام ودعبل ورثاهما بعد موتهما كما يأتي فهو صديق العدوين وكذلك محمد بن وهيب الحميري كان بينه وبين أبي تمام عداوة وهجاه أبو تمام بأبيات موجودة في ديوانه وكلاهما شيعي. روى الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن محمد بن يحيى الصولي حدثنا محمد بن موسى بن حماد وفي أخبار أبي تمام للصولي حدثني محمد بن موسى قال سمعت علي بن الجهم ذكر دعبلا فكفره ولعنه وطعن على أشياء من شعره وقال كان يكذب على أبي تمام ويضع عليه الاخبار ووالله ما كان اليه ولا مقاربا له وأخذ في وصف أبي تمام هكذا في أخبار أبي تمام للصولي وفي تاريخ بغداد بعد قوله ولعنه: وقال كان قد أغري بالطعن على أبي تمام وهو خير منه دينا وشعرا ثم قالا فقال له رجل والله لو كان أبو تمام أخاك ما زاد على كثرة وصفك له (على مدحك له) فقال إن لا يكن أخا بالنسب فإنه أخ بالأدب والدين والمروءة (والمودة) أو ما سمعت قوله في (ما خاطبني به).
إن يكد مطرف الإخاء فإننا * نغدو ونسري في إخاء تالد أو يختلف ماء الوصال فماؤنا * عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا * أدب أقمناه مقام الوالد وفي الأغاني أخبرني محمد بن يحيى الصولي حدثني محمد بن موسى ابن حماد قال علي بن الجهم يصف أبا تمام ويفضله فقال والله لو كان أبو تمام أخاك ما زدت على كثرة وصفك له إلى آخر ما مر ثم قال أوما سمعت ما خاطبني به وذكر الأبيات الثلاثة المتقدمة (أقول) والى البيت الأخير ينظر قول الشريف الرضي في رثاء أبي إسحاق الصابي الفضل ناسب بيننا إن لم يكن * شرفي يناسبه ولا ميلادي وهذه من جملة الأبيات التي مر أنه كتب بها اليه لما أراد سفرا وأولها:
هي فرقة من صاحب لك ماجد * فغدا إذابة كل دمع جامد وإذا فقدت أخا فلم تفقد له * دمعا ولا صبرا فلست بفاقد إن يكد مطرف الإخاء (الأبيات الثلاثة) ومنها:
صعب فإن سومحت كنت مسامحا * سلسا جريرك في يمين القائد البست فوق بياض مجدك نعمة * بيضاء تسرع في سواد الحاسد ومودة لازهدت في راغب * يوما ولا هي رغبت في زاهد غناء ليس بمنكر أن يغتدي * في روضها الراعي أمام الرائد ما ادعي لك جانبا من سؤدد * إلا وأنت عليه أعدل شاهد ولكن ابن عساكر في تاريخ دمشق قال: ذكر دعبل عند علي بن الجهم فكفره ولعنه ثم ذكر ما مر عن تاريخ بغداد إلى قوله والدين والمروءة ثم قال أو ما سمعت قوله:
ذو الود مني وذو القربى بمنزلة * واخوتي أسوة عندي واخواني عصابة جاورت آدابهم أدبي * فهم وإن ضربوا في الأرض جيراني أرواحنا في مكان واحد وغدت * أبداننا بشام أو خراسان ورب نائي المغاني روحه أبدا * لصيق روحي ودان ليس بالداني (أقول) وهذه الأبيات النونية هي من قصيدة يمدح بها الحسن بن وهب ويشفع في رجل يقال له سليمان بن رزين هكذا في الديوان المطبوع وسليمان بن رزين هو عم دعبل بن علي بن رزين الخزاعي ووقع في الديوان المطبوع بعد رزين تحريف. والخطيب قال إن ابن الجهم انشد الأبيات الدالية وابن عساكر قال إنه أنشد النونية ولعله أنشد كليهما والله أعلم.
وقال أبو تمام يعاتب علي بن الجهم من أبيات:
بأي نجوم وجهك يستضاء * أبا حسن وشيمتك الاباء أتترك حاجتي غرض التواني * وأنت الدلو فيها والرشاء أخباره مع دعبل بن علي الخزاعي وشهرته تغني عن وصفه يظهر مما ذكره المؤرخون أن دعبلا كان يعادي أبا تمام ويثلبه ويتحامل عليه وينسبه إلى السرقة في شعره وقد مر في أخباره مع ابن الجهم ما يدل على عداوته له ولا غرو فعدو المرء من يعمل عمله وهو ظالم له في ذلك.
ففي أخبار أبي تمام للصولي: حدثني هارون بن عبد الله المهلبي قال سئل دعبل عن أبي تمام فقال ثلث شعره سرقة وثلثه غث وثلثه صالح وقال محمد بن داود حدثني ابن أبي خيثمة: سمعت دعبلا يقول لم يكن أبو تمام شاعرا إنما كان خطيبا وشعره بالكلام أشبه منه بالشعر قال وكان يميل عليه ولم يدخله في كتابه (كتاب الشعراء) اه وقوله لم يكن شاعرا إنما كان خطيبا الخ تحامل بارد وفي أخبار أبي تمام للصولي حدثني أبو بكر هارون بن عبد الله المهلبي ورواه في الأغاني عن الصولي عن المهلبي قال كنا في حلقة دعبل فجرى ذكر أبي تمام فقال دعبل كان يتتبع معاني فيأخذها فقال له رجل في مجلسه وأي شئ من ذلك أعزك الله قال قولي:
إن امرءا أسدى إلي بشافع * اليه ويرجو الشكر مني لأحمق شفيعك فاشكر في الحوائج إنه * يصونك عن مكروهها وهو يخلق فقال الرجل فكيف قال أبو تمام فقال قال:
فلقيت بين يديك حلو عطائه * ولقيت بين يدي مر سؤاله وإذا امرؤ أسدى إليك صنيعة * من جاهه فكأنها من ماله