بالله أدفع عني ثقل فادحها * فإنني خائف منها على عنقي أخذه من قول أبي نواس:
لا تسدين إلي عارفة * حتى أقوم بشكر ما سلفا أنت امرؤ جللتني نعما * أوهت قوى شكري فقد ضعفا قال الآمدي: والمعنيان مختلفان لأن أبا نواس استعفاه من نعمة حتى يقوم بشكر ما قبلها، وأبو تمام قال لولا ما أخففها به من الشكر لم أطق حملها. وقال في قوله يهجو:
أعمل التف والطلا وقديما * كان صعبا إن تشعب القارورة أخذه من قول الأعشى:
كصدع الزجاجة ما تستطيع * كف الصناع لها أن تحيرا قال الآمدي: ووقع في شعر الأعشى أيضا:
فباتت وفي الصدر صدع لها * كصدع الزجاجة لا يلتئم ثم قال: وهذا معنى متداول مشهور مبذول، فلا يقال إن أبا تمام أخذه من الأعشى. ثم ذكر له شواهد كثيرة. وقال في قوله:
إذا سيفه أضحى على الهام حاكما * غدا العفو منه وهو في السيف حاكم أخذه من قول مسلم بن الوليد:
يغدو عدوك خائفا فإذا رأى * أن قد قدرت على العقاب رجاكا قال الآمدي: والمعنيان مختلفان، فأبو تمام قال: إذا حكم سيفه على الهام حكم عفوه على السيف، ومسلم قال: إن عدوه يخافه فإذا رأى أن قد قدر على العقاب رجاه (اه)، وما جعله فارقا لا يمنع الأخذ وقال في قوله:
فان هزئتم سللناها وقد غنيت * دهرا وهام بني بكر لها غمد أخذه من قول سعيد بن ناشب:
فإن أسيافنا بيض مهندة * عتق وآثارها في هامهم جدد قال الآمدي: والمعنيان مختلفان فأبو تمام قال: وهام بني بكر لها غمد وهذا قال وآثارها في هامهم جدد. وقال في قوله:
فلو كانت الأرزاق تأتي على الحجى * هلكن إذا من جهلهن البهائم اخذه من قول أبي العتاهية:
إنما الناس كالبهائم في الرزق * سواء جهولهم والحليم قال الآمدي: وبين المعنيين خلاف، وأبو تمام زاد في المعنى فحسنه وإن كان إلى مذهب أبي العتاهية يؤول. وقال في قوله:
فأشجيت أيامي بصبر حلون لي * عواقبه والصبر مثل اسمه صبر أخذه من قول أبي الشيص:
يصبرني قوم براء من الهوى * وللصبر تارات أمر من الصبر قال الآمدي: فقول الناس الصبر مر والصبر كاسمه صبر والصبر محمود العاقبة وإن كان مرا لا يكون مسروقا فيقال إن واحدا أخذه من آخر. وقال في قوله.
لئن ذمت الأعداء سوء صباحها * فليس يؤدي شكرها الذئب والنسر أخذه من قول مسلم بن الوليد لو حاكمتك فطالبتك بذحلها * شهدت عليك ثعالب ونسور قال الآمدي ذكر وقوع الذئاب وغيرها والنسور وسواها على القتلى معنى متداول معروف، وهو في بيت أبي تمام غيره في بيت مسلم (اه) ما أورده الآمدي مما نسب فيه أبو تمام إلى الأخذ وليس كذلك. ومما يلحق بالسرقة.
التوليد وهو معدود في أنواع البديع، ومن أقسامه أن يستحسن الشاعر ألفاظا من شعر غيره فيوردها في شعره لمعنى آخر. في أنوار الربيع، ولا يعد من المحاسن بل هو إلى السرقة أقرب كقول امرئ القيس في وصف الفرس:
وقد اغتدي والصير في وكناتها * بمنجرد قيد الأوابد هيكل (الأوابد) الوحوش من أبدت إذا نفرت من الإنس، وجعل الفرس قيدها لأنه يدركها ويمنعها المضي والخلاص من الطالب كما يمنعها القيد.
أخذه أبو تمام فنقله إلى الغزل فقال:
لها منظر قيد النواظر لم يزل * يروح ويغدو في خفارته الحب الاستعارة وأنواع البديع السابع - مما عيب على أبي تمام إسرافه في طلب الاستعارة وأنواع البديع، فقد أكثر في شعره من أنواع البديع والاستعارة حتى قيل إنه اخترع هذا المذهب وصار فيه أولا وإماما متبوعا، وشهر به حتى قيل هذا مذهب أبي تمام وطريقة أبي تمام، وسلك الناس نهجه واقتفوا اثره. ولكن الحق أنه لم يخترع ذلك وإنما أكثر منه، لأن مسلم بن الوليد سبقه اليه، ووجد قبل مسلم في القرآن الكريم، وفي أشعار الجاهليين والاسلاميين.
فمن الاستعارة في القرآن المجيد (واشتعل الرأس شيبا. وآية لهم الليل نسلخ منه النهار. واخفض لهما جناح الذل). وفي الشعر المتقدم قول امرئ القيس: فقلت له لما تمطى بجوزه * وأردف أعجازا وناء بكلكل وقول زهير:
صحا القلب عن سامي وأقصر باطله * وعري أفراس الصبا ورواحله وقول لبيد الجعفي:
وغداة ريح قد كشفت وقرة * إذ أصبحت بيد الشمال زمامها ومن التجنيس في الكتاب العزيز (وأسلمت مع سليمان. وأقم وجهك للدين القيم). وفي الحديث النبوي (عصية عصت الله وغفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله). وفي الشعر المتقدم قول القطامي (ولما ردها في الشول شالت) وقوله (مستحقين فؤادا ما له فادي) وقول جرير:
وما زال معقولا عقال عن الندى * وما زال محبوسا عن المجد حابس وقول امرئ القيس لقد طمح الطماح من بعد أرضه * ليلبسه من دائه ما تلبسا وقول الفرزدق خفاف أخف الله عنه سحابه * وأوسعه من كل ساف وحاصب حكى ذلك الآمدي في الموازنة عن عبد الله بن المعتز في كتاب البديع