ترى حبله عريان من كل غدرة * إذا نصبت تحت الحبال الحبائل ثم أشار إلى مدح الخليفة بمدح أعلى من مدحه جريا على أساليب الشعراء فقال:
أبا جعفر إن الخليفة إن يكن * لو أردنا بحرا فإنك ساحل ثم اخذ في استعطاف ابن الزيات واسترضائه فقال:
تقطعت الأسباب إن لم تغر (1) * لها قوى ويصلها من يمينك واصل وقد تالف العين الدجى وهو قيدها * ويرجى شفاء السم والسم قاتل ولي همة تنضي العصور وإنها * كعهدك من أيام مصر لحامل وإن جزيلات الصنائع لامرئ * إذا ما الليالي ناكرته معاقل وإن المعالي يسترم بناؤها * وشيكا كما قد تسترم المنازل ولو حاردت شول عذرت لقاحها * ولكن حرمت الدر والدر حافل أكابرنا عطفا علينا فإننا * بنا ظما برح وأنتم مناهل ثم قال في وصف القصيدة منحتكها تشفي الجوى وهو لاعج * وتبعث أشجان الفتى وهو ذاهل ترد قوافيها إذا هي أرسلت * هوامل مجد القوم وهي هوامل فكيف إذا حليتها بحليها * تكون - وهذا حسنها وهي عاطل - قال البديعي في هدية الأيام لما أنشده أبو تمام هذه القصيدة استحيا محمد بن عبد الملك من عتابه واحتج عليه بأنه مدح غيره وانه لو اقتصر عليه أغناه وأن كثرة مدحه للناس زهدته فيه وكتب اليه (رأيتك سمح البيع) الأبيات الثلاثة السابقة فكتب اليه أبو تمام (أبا جعفر) إلى آخر الأبيات الخمسة السابقة.
وفي أخبار أبي تمام للصولي وجدت بخط أحمد بن إسماعيل بن الخطيب ان محمد بن عبد الملك أوصل إلى الواثق قصيدة لأبي تمام يمدحه بها أولها:
وأبي المنازل إنها لشجون * وعلى العجومة إنها لتبين فقرئت عليه فلما بلغ إلى قوله:
جاءتك من نظم اللسان قلادة * سمطان فيها اللؤلؤ المكنون حذيت حذاء الحضرمية أرهفت * وأجابها التخصير والتلسين (2) انسية وحشية كثرت بها * حركات أهل الأرض وهي سكون اما المعاني فهي ابكار إذا * نصت ولكن القوافي عون احذاكها صنع الضمير يمده * جفر إذا نضب الكلام معين ويسئ بالاحسان ظنا لا كمن * هو بابنه وبشعره مفتون يرمي بهمته إليك وهمه * امل له أبدا عليك حرون ولعل ما يرجوه مما لم يكن * بك عاجلا أو آجلا سيكون فقال ادفع إليه مائتي دينار فقال محمد (ابن عبد الملك الزيات) انه قوي الأمل واسع الشكر قال فأضعفها له قال وقد روينا من غير هذه الجهة انه امر له بمائة ألف درهم (اه) ومن مدائح أبي تمام في ابن الزيات قوله من قصيدة.
خفت دموعك في اثر الحبيب لدن * خفت من الكثب القضبان والكتب من كل ممكورة ذاب النعيم لها * ذوب الغمام فمنهل ومنسكب أطاعها الحسن وانحط الشباب على * قوامها وجرت في وصفها النسب لم أنسها وصروف البين تظلمها * ولا معول إلا الواكف السرب أدنت نقابا على الخدين وانتسبت * للناظرين بقد ليس ينتقب ولو تبسم عجنا الطرف في برد * وفي اقاح سقتها الخمر والضرب من شكله الدر في رصف النظام وفي * صفائه الفتنتان الظلم والشنب كانت لنا ملعبا نلهو بزخرفه * وقد ينفس عن جد الفتى اللعب وعاذل هاج لي باللوم مأربة * باتت عليها هموم النفس تصطخب لما أطال ارتجال العذل قلت له * الحزم يثني خطوب الدهر لا الخطب لم يجتمع قط في مصر ولا طرف * محمد بن أبي مروان والنوب أمت نداه أبي العيس التي شهدت * لها السرى والفيافي انها نجب هم سرى ثم أضحى همة أمما * أضحت رجاء وأمست وهي لي نشب اعطى ونطفة وجهي في قرارتها * تصونها الوجنات الغضة القشب لا يكرم الظفر المعطى وان أخذت * به الرغائب حتى يكرم الطلب ردء الخلافة في الجلى إذا نزلت * وقيم الدين لا الواني ولا الوصب جفن يعاف لذيذ النوم ناظره * شجى عليها وقلب حولها يجب حتى إذا ما انتضى التدبير ثاب له * جيش يصارع عنه ماله لجب شعارها اسمك ان عدت محاسنها * إذ اسم حاسدك الأدنى لها لقب وزير حق ووالي شرطة ورجا * ديوان ملك وشيعي ومحتسب ثبت الخطاب إذا اصطكت بمظلمة * في رجله السن الأقوام والركب لا المنطق اللغو يزكو في مقاومه * يوما ولا حجة الملهوف تستلب كأنما هو في نادي قبيلته * لا القلب يهفو ولا الأحشاء تضطرب وتحت ذاك قضاء حز شفرته * كما يعض بأعلى الغارب القتب لا سورة تتقى منه ولا بله * ولا يحيف رضى منه ولا غضب يعشو إليك وضوء الرأي قائده * خليفة إنما آراؤه شهب إن تلق من دونه حجب مكرمة * يوما فقد ألقيت من دونك الحجب والصبح تخلف نور الشمس غرته * وقرنها من وراء الأفق محتجب أما القوافي فقد حصنت غرتها * فما يصاب دم منها ولا سلب ولو عضلت عن الأكفاء أيمها * ولم يكن لك في إظهارها إرب كانت بنات نصيب حين ضن بها * على الموالي ولم تحفل بها العرب لو أن دجلة لم تحوج وأنجدها * ماء العراقين لم تحفر بها القلب لم ينتدب عمر للإبل يجعل من * جلودها النقد حتى عزه الذهب لي حرمة بك لولا ما رعيت وما * أوجبت من حفظها ما خلتها تجب بلى لقد سلفت في جاهليتهم * للحق ليس كحقي نصرة عجب إن تعلق الدلو بالدلو الغريبة أو * يلابس الطنب المستحصد الطنب ان الخليفة قد عزت بدولته * دعائم الملك فليعزز بك الأدب اخباره مع أبي سعيد محمد بن يوسف الثغري الحميدي الغزواني الطائي كان أبو سعيد هذا من الشجعان ومن القواد في دولة المعتصم وحارب بابك الخرمي الذي عصى على المعتصم واستفحل امره حاربه عدة مرات وكان أبو سعيد طائيا، ولأبي تمام به علاقة النسب وعاطفة القرابة وقد مدحه أبو تمام بقصائد كثيرة موجودة في ديوانه أجاد في جميعها غاية الإجادة وأشار فيها إلى حروبه مع بابك وغيره. وأخذ جوائز أبي سعيد وأشار في بعضها إلى علاقة النسب التي تربطه بأبي سعيد بقوله كما يأتي.