واليوم أنفسنا للدهر آمنة * إذا ليس بعدك خطب منه يرتقب قد كنت تمنح أسباب القنا كملا * إذ لا يجود بهن الوالد الحدب يا مؤتم الجود دون الناس كلهم * هيهات بعدك لا يحنو عليه أب ما حل رزؤك إلا بالرجاء فما * في الأرض بعدك للراجين مطلب يا خالد بن يزيد إن تذق تلفا * لم يغن عنك لديه الجحفل اللجب والبيض لامعة والسمر شارعة * والأسد راتعة والعز منتصب فاذهب عليك سلام الله من ملك * ما بعد مهلكه رغب ولا رهب وفي محمد الزاكي لنا خلف * ما مثله خلف في الناس منتجب باق به لبني شيبان أسرته * حمد الفعال وفضل العز والحسب يرعى المكارم منه وارث شرفا * بتاج والده في الناس معتصب وقال أبو تمام يرثيه أيضا ويعزي ولده محمدا من قصيدة.
أألله اني خالد بعد خالد * وناس سراج المجد نجم المحامد ألا غرب دمع ناصر لي على الأسى الاحر شعر في الغليل مساندي (مساعدي) فلم تكرم العينان ان لم تسامحا * ولا طاب فرع الشعر إن لم يساعد لتبك القوافي شجوها بعد خالد * بكاء مضلات السماح نواشد لكانت عذاراها إذا هي أبرزت * لدى خالد مثل العذارى النواهد تقلص ظل العرف عن كل بلدة * واطفئ في الدنيا سراج القصائد فياغي مرحول اليه وراحل * وخجلة موفود اليه ووافد ويا ماجدا أوفى به الموت نذره * فاشعر روعا كل أروع ماجد غدا يمنع المعروف بعدك دره * وتغدر غدران الأكف الروافد لأبرحت يا عام المصائب بعدما * دعاك بنو الآمال عام الفوائد فجللت قحطا آل قحطان وانثنت * نزار بمنزور من العيش جامد على أي عرنين غلبنا ومارن * وأية كف فارقتنا وساعد فيا وحشة الدنيا وكانت أنيسة * ووحدة من فيها لمصرع واحد مضت خيلاء الخيل وانصرف الردى * بأنفس نفس من معد ووالد فكم غال ذاك الترب لي ولمعشري * وللناس طرا من طريف وتالد أقام به من حي بكر بن وائل * هني الندا مخضر عود المواعد أشيبان ما ذاك الهلال بطالع * علينا ولا ذاك الغمام بعائد أشيبان ما جدي ولا جد مرتج * ولا جد شئ يوم ولى بصاعد أشيبان عمت نارها من مصيبة * فما يشتكي وجد إلى غير واجد لئن أقرحت عيني صديق وصاحب * لقد زعزعت ركني عدو وحاسد لئن هي أهدت للأقارب ترحة * لقد جللت تربا خدود الأباعد فما جاتب الدنيا بسهل ولا الضحى * بطلق ولا ماء الحياة ببارد بلى وأبي ان الأمير محمدا * لقطب الرحى مصباح تلك المشاهد عليه دليل من يزيد وخالد * ونوران لاحا من نجار وشاهد من المكرمين الخيل فيها ولم يكن * ليكرمها الاكرام المحاتد أخباره مع عبد الله بن طاهر كان عبد الله بن طاهر الخزاعي أميرا جليلا جوادا ممدحا وأبوه طاهر بن الحسين هو الذي قتل الأمين وفتح بغداد للمأمون وولاه المأمون خراسان وولى المأمون عبد الله بن طاهر من الرقة إلى مصر في حياة أبيه طاهر ولما مات طاهر ولى المأمون ابنه عبد الله خراسان وكان مقامه بنيسابور فبقي واليا على خراسان مدة خلافة المأمون والمعتصم وشيئا من خلافة الواثق وقصده أبو تمام من العراق إلى خراسان فمدحه وأخذ جوائزه ثم عاد إلى العراق وفي معجم البلدان قرأت في كتاب نتف الطرف للسلامي: حدثني ابن علوية الدامغاني حدثني ابن عبد الدامغاني قال كان أبو تمام حبيب بن أوس نزل عند والدي حين اجتاز بقومس إلى نيسابور ممتدحا عبد الله بن طاهر فسألناه عن مقصده فأجابنا بهذين البيتين:
يقول في قومس صحبي وقد أخذت * منا السرى وخطى المهرية القود أمطلع الشمس تبغي (تنوي) ان تؤم بنا * فقلت كلا ولكن مطلع الجود وفي مرآة الجنان: كان أبو تمام الطائي قد قصد عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي (أمير خراسان) من العراق فلما انتهى إلى قومس وطالت به الشقة وعظمت عليه المشقة قال (يقول في قومس صحبي) البيتين (أقول) خراسان بالفارسية معناه مطلع الشمس فلهذا قال (أمطلع الشمس تبغي أن تؤم بنا) قال وقيل هذان البيتان أخذهما أبو تمام من أبي الوليد مسلم بن الوليد الأنصاري المعروف بصريع الغواني الشاعر المشهور حيث يقول:
يقول صحبي وقد جدوا على عجل * والخيل تفتن بالركبان في اللجم أمطلع الشمس تنوي أن تؤم بنا * فقلت كلا ولكن مطلع الكرم قال ولما وصل أبو تمام إليه انشده قصيدته البائية البديعة التي يقول فيها وركب كأطراف الأسنة عرسوا * على مثلها والليل تسطو غياهبه قال الصولي في كتاب اخبار أبي تمام: حدثنا محمد بن إسحاق النحوي حدثنا أبو العيناء عن علي بن محمد الجرجاني قال اجتمعنا بباب عبد الله بن طاهر من بين شاعر وزائر ومعنا أبو تمام فحجبنا أياما فكتب اليه أبو تمام:
أيهذا العزيز قد مسنا الضر * جميعا وأهلنا أشتات ولنا في الرحال شيخ كبير * ولدينا بضاعة مزجاة قل طلابها فأضحت خسارا * فتجاراتنا بها ترهات فاحتسب أجرنا وأوف لنا * الكيل وصدق فإننا أموات فضحك عبد الله لما قرأ الشعر وقال قولوا لأبي تمام لا تعاود مثل هذا الشعر فان القرآن أجل من أن يستعار شئ من ألفاظه للشعر قال ووجد عليه (اه) وليس في هذا ما يقتضي ان يجد عليه ولكن الظاهر أن السبب في ذلك ما سيأتي وأورد الخطيب في تاريخ بغداد في ترجمة القاسم بن عيسى أبي دلف العجلي نحوا من هذه القصة قال اجتمع علي باب أبي دلف جماعة من الشعراء فمدحوه وتعذر عليهم الوصول اليه وحجبهم حياء لضيقة نزلت به فكتبوا اليه.
أيهذا العزيز قد مسنا الدهر * بضر وأهلنا أشتات وأبونا شيخ كبير فقير * ولدينا بضاعة مزجاة قل طلابها فبارت علينا * وبضاعاتنا بها الترهات فاغتنم شكرنا وأوف لنا الكيل * وصدق فإننا أموات ويمكن ان يكون أصحاب أبي دلف أخذوا شعر أبي تمام وأرسلوه اليه والله أعلم. وقال الخطيب التبريزي في مقدمة شرح الحماسة: كان عبد الله بن طاهر لا يجيز شاعرا إلا إذا رضيه أبو العميثل - عبد الله بن خليد - وأبو سعيد الضرير فقصدهما أبو تمام وأنشدهما القصيدة التي أولها:
هن (1) عوادي يوسف وصواحبه * فعزما فقدما أدرك السول طالبه