فقالوا: انكم تريدون محمدا وأرادوا قتلهما فأظهرا انهما انما يريدان المدينة لحاجة لهما فيها فاخذوا عليهما العهد والميثاق ان لا يقاتلوهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما وصلا إلى المدينة أخبرا النبي بذلك ووقفا عند أمره فان أمرهما بالقتال معه قاتلا وان أمرهما بالوفاء بالعهد وفيا، فامرهما بالوفاء بالعهد وان كان مع جماعة مشركين فلم يحضر حذيفة وأبوه بدرا. روى الحاكم في المستدرك بسنده عن مصعب بن سعد قال: أخذ حذيفة وأباه المشركون قبل بدر وأرادوا أن يقتلوهما فاخذوا عليهما عهد الله وميثاقه ان لا يعينا عليهم فحلفا لهم فأرسلوهما فاتيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبراه فقالا: انا قد حلفنا لهم فان شئت قاتلنا معك، قال: نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم. ورواه أحمد في مسنده عن أبي الطفيل عن حذيفة بن اليمان قال: ما منعني أن أشهد بدرا الا اني خرجت انا وأبي حسيل فاخذنا كفار قريش فقالوا: انكم تريدون محمدا قلنا ما نريد الا المدينة فاخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه فاتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرناه الخبر فقال: انصرفوا نفي بعهدهم ونستعين الله عليهم اه. فلما كانت وقعة أحد حضرها حذيفة وأبوه فقتل أبوه بها قتله المسلمون خطا وهم يظنونه من المشركين فلم يزد حذيفة على أن استغفر لهم وتصدق بديته على المسلمين فزاده ذلك خيرا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما سبق، ثم شهد حذيفة بعد ذلك المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
استعماله على الصدقة وشدة ورعه اخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق عن بريدة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعمل حذيفة بن اليمان على بعض الصدقة فلما قدم قال: يا حذيفة هل بقي من الصدقة شئ؟ فقال لا يا رسول الله أنفقنا بقدر الا ان ابنة لي أخذت جديا من الصدقة. فقال: كيف بك يا حذيفة إذا ألقيت في النار وقيل لك ائتنا به؟ فبكى حذيفة ثم بعث إليها فجئ به فألقي في الصدقة.
سكناه الكوفة والمدائن ونصيبين وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتقل من المدينة إلى الكوفة وسكنها، وكان ذلك بعد سنة 15 في خلافة عمر. قال اليعقوبي أحمد بن أبي يعقوب واضح الكاتب في كتاب البلدان ص 310: كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص لما افتتح العراق يأمره ان ينزل الكوفة ويأمر الناس ان يختطوها، فاختطوها كل قبيلة مع رئيسها، إلى أن قال: واقطع حذيفة بن اليمان مع جماعة من عبس نصف الآري، وهو فضاء كانت فيه خيل المسلمين اه.
وكان تمصير الكوفة سنة 15 من الهجرة، وكان حذيفة في الجيش الذي فتح العراق، فلما أقطعه سعد الآري ابتنى دارا وسكنه مع عشيرته، أما سكناه المدائن فلا يبعد أن تكون لما وليها من قبل عمر فانتقل باهله وعياله إليها من الكوفة حسب مجرى العادة ولكن مبدأ تولية عمر إياه المدائن مجهول، الا انه كان واليا عليها سنة 21 كما يأتي، ويحتمل أن يكون حين ولي المدائن حضر إليها بنفسه وأبقى أهله وعياله بالكوفة، فكان يتردد إليهم ويعود إلى المدائن، ولعله يرشد اليه ما يأتي، من أنه لما ولي المدائن لم يكلفهم الا طعامه وعلف حماره الدال على أنه لم يكن عنده ما يحتاج إلى مؤونة غير نفسه وحماره وربما يرشد اليه أيضا ما في تاريخ دمشق لابن عساكر: قال أبو بكر بن عياش سمعت إسحاق يقول: كان حذيفة يجئ كل جمعة من المدائن إلى الكوفة، فقال أبو بكر: فقلت لإسحاق هل كان يستطيع ذلك؟ قال نعم كانت عنده بغلة فارهة اه. لكن الظاهر أن مجيئه وحده إلى المدائن كان في أول ولايته وأنه أحضر عياله إليها بعد ذلك كما يدل قول ابن سعد المتقدم، وله بالمدائن عقب، وان ذهابه إلى الكوفة كل جمعة لم يكن لزيارة أهله بل كان للصلاة في مسجدها أو لغير ذلك من المصالح وقد كان له بالكوفة أيام سكناه بها حلقة يحدث فيها كما دل عليه خبرا اليشكري الآتيان ومر انه نزل نصيبين وتزوج بها ولكنهم لم يذكروا تاريخ ذلك ولا انه في أي زمان كان.
اخباره يوم الخندق لما كانت وقعة الخندق وقتل علي عليه السلام عمرو بن عبد ود وانكسرت شوكة المشركين بقتله ووقع الرعب في قلوبهم وكفى الله المؤمنين القتال وردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا كان حذيفة رسول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الليلة القابلة من قتل عمرو يتعرف له خبر المشركين فدخل بينهم وجاءه بخبرهم. اخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة حذيفة وأخرجه أبو يعلى ومسلم بن الحجاج وابن شاهين عن إبراهيم التيمي عن أبيه أنه قال:
كنا عند حذيفة فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلت معه وأبليت معه. فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك لقد رأينا معه ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر. وفي رواية ابن شاهين: فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي من الليل في ليلة باردة لم نر قبلها ولا بعدها بردا كان أشد منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة فسكتنا فلم يجبه منا أحد ثم قال فسكتنا - وفي رواية: ثم الثانية ثم الثالثة مثله - فقال قم: وسياق الحديث يدل على أن هذا كان بعد قتل عمرو بن عبد ود في الليلة القابلة من قتله. وفي رواية ابن شاهين: ثم قال: قم يا أبا بكر، فقال استغفر الله ورسوله، ثم قال: ان شئت ذهبت. فقال: يا عمر!. فقال: أستغفر الله ورسوله. ثم قال: يا حذيفة، فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم، فقال: اذهب وائتنا بخبر القوم ولا تذعرهم، قال حذيفة: فلما وليت من عنده جعلت أمشي كأني في حمام. قال ابن عساكر: وفي رواية ابن شاهين: قمت حتى أتيت وان جنبي ليضطربان من البرد فمسح رأسي ووجهي ثم قال: ائت هؤلاء القوم حتى تأتينا بخبرهم ولا تحدثن حدثا حتى ترجع ثم قال اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته حتى يرجع!. فلان يكون ذلك أو مثله كان إلي من الدنيا وما فيها فانطلقت فوجدتهم قد أرسل الله عليهم ريحا فقطعت أطنابهم وكسرت آنيتهم وذهبت بخيولهم ولم تدع لهم شيئا الا أهلكته، ورأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار فأخذت سهما فوضعته في كبد قوسي وأردت ان أرميه وكان حذيفة راميا فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لا تحدث حدثا حتى ترجع) فرددت سهمي في كنانتي، ولو رميته لأصبته، فرجعت وانا امشي في مثل الحمام فلما أتيته وأخبرته خبر القوم وفرغت قررت - أي بردت - فألبسني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أبرح نائما حتى الصبح فلما أصبحت قال لي: قم يا نومان. رواه ابن عساكر بطرق متعددة أخصر من هذا، وفيها يكمل القصة على لسان حذيفة: وتنادوا بالرحيل، قال حذيفة: فرأيت أبا سفيان وثب على جمل له معقول فجعل يزجره للقيام فلا يستطيع فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضحك حتى رأيت أنيابه. وروى ابن عساكر أيضا في ترجمة أبي سفيان صخر بن حرب نحوا من هذا. ولا شك ان الذهاب