وقوله يرثى غالبا:
أنزلته الأيام عن ظهرها من * بعد اثبات رجله في الركاب كأنني حين جردت الرجاء له * غضا صببت لها ماء على الزمن وقوله يصف فرسا:
فكأن فارسه يصرف إذ بدا * في متنه ابنا للصباح الأبلق لم تسق بعد الهوى ماء أقل قذى * من ماء قافية يسقيكه فهم مقصرا خطوات البث في بدني * علما بأني ما قصرت في الطلب جارى اليه البين وصل خريدة * ماشت اليه والوصل مشي الاكبد وقد تحامل الآمدي على أبي تمام في هذا المقام كتحامله في كثير من المقامات فقال بعد ايراد هذه الأبيات فجعل كما ترى من غثاثة هذه الألفاظ للدهر اخدع ويدا تقطع من الزند وكأنه يصرع ويحل ويشرق بالكرام ويتبسم وان الأيام تنزله والزمان أبلق وجعل للمجد يدا ولقصائده مزامر الا انها لا تنفخ ولا تزمر وجعل المعروف مسلما تارة ومرتدا أخرى والحادث وغدا وجذب ندى الممدوح بزعمه جذبة حتى خر صريعا بين يدي قصائده وجعل المجد مما يبعد عنه الخرف وان له جسدا وكبدا وجعل لصروف النوى قدا وللأمن فرشا وظن أن الغيث كان دهرا حائكا وجعل للأيام ظهرا يركب والليالي كأنها عوارك والزمان كأنه صب عليه ماء والفرس كأنه ابن الزمان الأبلق وهذه استعارات في غاية القباحة والهجانة (اه). ولا نراه في تقبح هذه الاستعارات إلا مبالغا متحاملا فقد ورد أمثالها في الكلام الفصيح حتى في القرآن المجيد قال امرؤ القيس في استطالة الليل:
فقلت له لما تمطى بجوزه * واردف اعجازا وناء بكلكل وقال طفيل الغنوي:
وجعلت كوري فوق ناجية * يقتات شحم سنامها الرحل وقال عمرو بن كلثوم يهجو النعمان:
الا أبلغ النعمان عني رسالة * فمجدك حولي ولؤمك قارح وقال حسان:
لو يدب الحولي من ولد الذر * عليها لاندبتها الكلوم وقال أبو ذؤيب:
وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع وقال امرؤ القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي * ومسنونة زرق كأنياب أغوال وقال ذو الرمة:
تيممن يا فوخ الدجى فصد عنه * وجوز الفلا صدع السيوف القواطع وقال تأبط شرا:
نحز رقابهم حتى نزعنا * وانف الموت منخره رئيم وقال ذو الرمة:
يعز ضعاف القوم عزة نفسه * ويقطع انف الكبرياء عن الكبر وقال آخر:
تخاصم قوما لا تلقى جوابهم * وقد اخذت من انف لحيتك اليد وقال آخر يذم رجلا:
ما زال مذموما على است الدهر * ذا حسد ينمى وعقل يجري وقال أحد شعراء عبد القيس:
ولما رأيت الدهر وعرا سبيله * وابدى لنا ظهرا أجب مسلعا ومعرفة حصاء غير مفاضة * عليه ولونا ذا عثاثين أجمعا وجبهة قرد كالشراك ضئيلة * وصعر خديه وأنفا مجدعا وفي القرآن المجيد: واشتعل الرأس شيبا، وآية لهم الليل نسلخ منه النهار، فصب عليهم ربك سوط عذاب، طلعها كأنه رؤوس الشياطين أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض. وحاول الآمدي ان يفرق بين استعارات أبي تمام وما في هذه من الاستعارات فلم يأت بشئ، ولم ننقل كلامه خوف التطويل.
مما استحسنه الآمدي من استعارات أبي تمام قوله:
ليالي نحن في وسنان عيش * كان الدهر عنا في وثاق وأيام لنا وله لدان * غنينا في حواشيها الرقاق وقوله:
أيامنا مصقولة أطرافها * بك والليالي كلها أسحار وقوله:
سكن الزمان فلا يد مذمومة * للحادثات ولا سوام تذعر ومن استعاراته قوله:
فلا تجعل جوابك في يدي لا * فأكتب ما رجوت على الجليد رماني بخلف بعد ما عاش حقبة * له رسفان في قيود المواعد فجعل للخلف قيودا يرسف فيها.
4 - المقابلة والطباق وهما من أنواع البديع (فالمقابلة) هي الاتيان بشيئين فما فوق ثم مقابلتهما بأضدادهما أو بغيرها (والطباق) الاتيان بشئ ثم مقابلته بضده وقد فرقوا بينهما بوجهين (أحدهما) أن الطباق لا يكون إلا بالأضداد، والمقابلة تكون بالأضداد وبغيرها (ثانيهما) أن الطباق لا يكون إلا بين ضدين، والمقابلة لا تكون إلا بين اثنين واثنين فما زاد ولو بلغت العشرة.
(والمقابلة) كثيرة في شعره كثرة مفرطة كقوله:
فبسطت أزهرها بوجه أزهر * وقبضت أربدها بوجه أربد أفي الحق أن يضحي بقلبي مأتم * من الحب والبلوى وعيناي في عرس أبقيت جد بني الاسلام في صعد * والمشركين ودار الشرك في صبب فأما عيون العاشقين فأسخنت * وأما عيون الكاشحين فقرت وكانت وليس الصبح فيها بأبيض * فأمست وليس الليل فيها بأسود يا أمة كان قبح الجور يسخطها * دهرا فأصبح حسن العدل يرضيها (والطباق) كثير أيضا في شعره كثرة مفرطة كقوله:
ببعيد المدى قريب المعاني * وثقيل الحجى خفيف الروح وقوله: فما زالت تجد أسى وشوقا * له وعليه إخلاق الطلول أسكن قلبا هائما فيه مأتم * من الشوق إلا أن عيني في عرس ومغضب رجعت بيض السيوف به * حي الرضا عن رداهم ميت الغضب