المأكولات لبعض الآكلات ذكر الحمار الذي يرمي بنفسه على الأسد إذا شم ريحه (اه) ابن خلكان (وقد) اختلفت كلماتهم في هذه القصة التي جرت بين أبي تمام وابن المعذل فرواها ابن خلكان كما سمعت وروايته لا تخلو من تناف فما ذكره أولا يدل على أنه ارسل اليه الأبيات قبل أن يدخل البصرة وانه لما قرأها رجع ولم يدخلها وما ذكره ثانيا يدل على أنه أرسلها اليه بواسطة وراق فإن كان هذا الوراق بالبصرة - كما هو الظاهر - فقد دخلها أبو تمام ووصلته الأبيات وهو فيها واجتمع بابن المعذل فنافى ما ذكره أولا وان كان الوراق خارج البصرة فقد وصلت أبا تمام لما أراد دخول البصرة فما وجه ارسالها اليه ثانيا. وروى الصولي في أخبار أبي تمام انه عزم على الانحدار إلى البصرة والأهواز لمدح من بها فبلغ ذلك ابن المعذل فكتب اليه بالأبيات الثلاثة فلما قرأها قال قد شغل هذا ما يليه فلا أرب لنا فيه واضرب عن عزمه (اه) ولم يذكر غير ذلك سوى انه روى البيت الأخير في غير موضع (أي ماء لماء وجهك يبقى) وصرح بأنه جعل للماء ماء. وفي الأغاني عن ابن مهرويه عن عبد الله بن يزيد الكاتب قال جمع بين أبي تمام الطائي وبين عبد الصمد بن المعذل مجلس وكان عبد الصمد سريعا في قول الشعر وكان في أبي تمام ابطاء فأخذ عبد الصمد القرطاس وكتب فيه وذكر الأبيات الثلاثة سوى انه ذكر البيت الأخير هكذا (أي ماء لحر وجهك يبقى) قال فأخذ أبو تمام القرطاس وخلا طويلا وجاء وقد كتب فيه:
أفي تنظم قول الزور والفند * وأنت أنزر من لا شئ في العدد أشرجت قلبك من بغضي على حرق * كأنها حركات الروح في الجسد فقال له عبد الصمد وذكر شتما قبيحا اعرضنا عن ذكره ومما قال يا غث أخبرني عن قولك انزر من لا شئ وقولك أشرجت قلبك قلبي مفرش أو عيبة أو خرج فاشرجه فما رأيت أغث منك فانقطع أبو تمام انقطاعا ما يرى أقبح منه وقام فانصرف وما راجعه بحرف قال أبو الفرج: كان في ابن مهرويه تحامل على أبي تمام لا يضر أبا تمام هذا منه وما أقل ما يقدح مثل هذا في مثل أبي تمام (اه) ومنافاة هذا لما مر عن ابن خلكان ظاهرة فهو مناف لما ذكره أولا ولما ذكره ثانيا ثم إن في هذه الحكاية التي ذكرها أبو الفرج ما يستلفت النظر (أولا) قوله وكان في أبي تمام ابطاء وقوله وخلا طويلا فأبو تمام الذي قال بديها في أثناء الإنشاد لما قيل له الأمير فوق من وصفت.
لا تعجبوا ضربي له من دونه * مثلا شرودا في الندى والباس فالله قد ضرب الأقل لنوره * مثلا من المشكاة والنبراس لا يعجزه أن يجيب على البداهة ابن المعذل عن شعره السخيف هذا حتى يحتاج إلى الابطاء والخلوة طويلا (ثانيا) قوله فانقطع أبو تمام انقطاعا ما يرى أقبح منه يصعب تصديقه فان هذه السخافة التي أوردها عبد الصمد لا توجب انقطاع أبي تمام ولا عجزه عن جوابها وان صح ما ذكره من الشتم القبيح لأبي تمام فالأصوب أن يكون أبو تمام صان نفسه عن جوابه وقام وانصرف وأولى بالصواب ما مر عن ابن خلكان من أنه قرأ البيت الثالث عض ابن المعذل على شفته ثم إن الذي في الديوان أنه قال هذه الأبيات في هجو محمد بن يزيد لكن مع تغيير وزيادة.
أفي تنظم قول الزور والفند * وأنت أنزر من لا شئ في العدد أسرجت قلبك من بغضي على حرق * أضر من حرقات الهجر للجسد أنحفت جسمك حتى لو هممت بأن * ألهو بصفعك يوما لم تجدك يدي لا تنتسب قد حويت الفخر مجتمعا * ولذكر إذ صرت منسوبا إلى حسدي أضللت روعك حتى صرت لي غرضا * قد يقدم العير من ذعر على الأسد فهذا ما وقفنا عليه من اختلاف كلماتهم في هذه القصة اخباره مع أبي الهيثم خالد بن يزيد الكاتب البغدادي واصله من خراسان وكان أحد كتاب الجيش ووسوس في آخر عمره كذا في الأغاني وفيه أيضا ان خالدا هذا هجا أبا تمام بأبيات ثلاثة اعرضنا عن ذكرها لما فيها من الفحش فبلغ أبا تمام ذلك فقال فيه أبياتا منها قوله.
شعرك هذا كله مفرط * في برده يا خالد البارد فعلقها الصبيان ولم يزالوا يصيحون به يا خالد يا بارد حتى وسوس وحكى ذلك صاحب معاهد التنصيص عن الرياشي ولم أجد الأبيات التي هذا البيت منها في ديوان أبي تمام.
اخباره مع أبي إسحاق إبراهيم المدبر وهو إبراهيم بن محمد بن عبيد الله بن المدبر المتوفى 279 في الأغاني إبراهيم هذا شاعر كاتب متقدم من وجوه كتاب أهل العراق ومتقدميهم وذوي الجاه والمتصرف في كبار الأعمال ومذكور الولايات وكان المتوكل يقدمه ويؤثره ويفضله (اه) (والمدبر) الذي يقول له مولاه أنت حر بعد وفاتي وكان أبوه أو أحد أجداده كذلك وكان ابن المدبر يعادي أبا تمام ويتعصب عليه ولا يوفيه حقه قال الصولي في أخبار أبي تمام حدثني عبد الله بن المعتز قال كان إبراهيم بن المدبر يتعصب على أبي تمام ويحطه عن رتبته فلا حاني فيه يوما فقلت له أتقول هذا لمن يقول (غدا الشيب مختطا بفودي خطة) الأبيات الآتية عند ذكر أشعاره في الشيب وفيمن يقول - في رثاء محمد بن حميد الطائي -.
فان ترم عن عمر تدانى به المدى * فخانك حتى لم تجد فيه منزعا فما كنت إلا السيف لاقى ضريبة * فقطعها ثم انثنى فتقطعا ولمن يقول:
خشعوا لصولتك التي (1) عودتهم * كالموت يأتي ليس فيه عار فالمشي همس والنداء إشارة * خوف انتقامك والحديث سرار أيامنا مصقولة أطرافها * بك والليالي كلها أسحار تندى عفاتك للعفاة وتغتدي * رفقا إلى زوارك الزوار قال وأنشدته أيضا غير ذلك فكأني والله ألقمته حجرا. ثم قال الصولي في موضع آخر من كتاب اخبار أبي تمام: ومن الافراط في عصبيتهم عليه ما حدثني به أبو العباس عبد الله بن المعتز قال حدثني إبراهيم بن المدبر - ورأيته يستجيد شعر أبي تمام ولا يوفيه حقه بحديث حدثنيه أبو عمرو بن أبي الحسن الطوسي وجعلته مثلا له قال وجه بي أبي إلى ابن الاعرابي لأقرأ عليه أشعارا وكنت معجبا بشعر أبي تمام فقرأت عليه من أشعار هذيل ثم قرأت عليه أرجوزة أبي تمام على أنها لبعض شعراء هذيل.
وعاذل عذلته في عذله * فظن أني جاهل لجهله حتى أتممتها فقال اكتب لي هذه فكتبتها له ثم قلت أحسنة هي قال ما سمعت بأحسن منها قلت إنها لأبي تمام قال خرق خرق. ثم قال الصولي.
قال ابن المعتز وهذا الفعل من العلماء مفرط القبح لأنه يجب أن لا يدفع