وإذا أراد الله نشر فضيلة * طويت أتاح لها لسان حسود لولا اشتعال النار فيما جاورت * ما كان يعرف طيب عرف العود لولا التخوف للعواقب لم تزل * للحاسد النعمى على المحسود فلما سمعها ابن أبي دؤاد رضي عنه اخباره مع أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي المتوفى سنة 225 كان أبو دلف هذا أحد قواد المأمون ثم المعتصم وكان كريما سريا جوادا ممدحا شجاعا مقداما وقد مدحه أبو تمام بأحسن المدائح وأخذ جوائزه في الأغاني واخبار أبي تمام للصولي بالاسناد عن جابر الكرخي انه حضر أبا دلف القاسم بن عيسى وعنده أبو تمام الطائي وقد انشده قصيدته البائية التي امتدحه بها وعنده جماعة من أشراف العرب والعجم وهي التي أولها.
على مثلها من اربع وملاعب * أذيلت مصونات الدموع السواكب أميدان لهوي من أتاح لك البلى * فأصبحت ميدان الصبا والجنائب قلما بلغ إلى قوله.
إذا العيس لاقت بي أبا دلف فقد * تقطع ما بيني وبين النوائب إذا ما غدا أغدى كريمة ماله * هديا ولو زفت لألأم خاطب يرى أقبح الأشياء اوبة آمل * كسته يد المأمول حلة خائب وأحسن من نور يفتحه الندى * بياض العطايا في سواد المطالب إذا ألجمت يوما لجيم وحولها * بنو الحصن نجل المحصنات النجائب فان المنايا والصوارم والقنا * أقاربهم في الروع دون الأقارب إذا افتخرت يوما تميم بقوسها * وزادت على ما وطدت من مناقب فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم * عروش الذين استرهنوا قوس حاجب محاسن من مجد متى تقرنوا بها * محاسن أقوام تكن كالمعائب مكارم لجت (1) في علو كأنما * تحاول ثأرا عند بعض الكواكب فقال أبو دلف يا معشر ربيعة ما مدحتم بمثل هذا الشعر قط فما عندكم لقائله فبادروه بمطارفهم وعمائمهم يرمون بها اليه فقال أبو دلف قد قبلها وأعاركم لبسها وسأنوب عنكم في ثوابه تمم القصيدة يا أبا تمام فلما بلغ إلى قوله.
ولو كان يفنى الشعر أفناه ما قرت * حياضك منه في العصور الذواهب ولكنه صوب العقول إذا انجلت * سحائب منه أعقبت بسحائب فامر له بخمسين ألف درهم وقال أبو الفرج وقال والله ما هي بإزاء استحقاقك وقدرك فاعذرنا فشكره وقام ليقبل يده فحلف ان لا يفعل وقال الصولي وقال والله انها لدون شعره ثم قال ما مثل هذا القول الا ما رثيت به محمد بن حميد قال وأي ذلك أراد الأمير قال قولك وفي الأغاني: ثم قال له أنشدني قولك في محمد بن حميد.
وما مات حتى مات مضرب سيفه * من الضرب واعتلت عليه القنا السمر وقد كان فوت الموت سهلا فرده * اليه الحفاظ المر والخلق الوعر (ونفس تعاف الضيم حتى كأنه * هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر (2) فاثبت في مستنقع الموت رجله * وقال لها من دون اخمصك الحشر غدا غدوة والحمد نسج (حشو) ردائه * فلم ينصرف الا وأكفانه الاجر كأن بني نبهان يوم مصابه (وفاته) * نجوم سماء خر من بينها البدر يعزون عن ثاو تعزى به العلى * ويبكي عليه البأس والجود والشعر فأنشده إياها فقال والله لوددت انها في فقال بل أفدي الأمير بنفسي وأهلي وأكون المقدم قبله فقال إنه لم يمت من رثي بهذا الشعر أو مثله (اه) وقال ابن خلكان انه لما انشده القصيدة البائية المقدم ذكرها استحسنها وأعطاه خمسين ألف درهم وقال له والله انها لدون شعرك ثم قال له والله ما مثل هذا القول في الحسن الا ما رثيت به محمد بن حميد الطوسي فقال أبو تمام وأي ذلك أراد الأمير قال قصيدتك الرائية التي أولها.
كذا فليحل الخطب وليفدح الامر * فليس لعين لم يفض ماؤها عذر ثم ذكر نحوا مما مر عن الأغاني ولكن أبا تمام مع احسان أبي دلف اليه هذا الاحسان العظيم لما تأخر عنه بره بعض التأخر عاتبه وتهدده بالهجاء في أبياته التي يقول فيها.
أبا دلف لم يبق طالب حاجة * من الناس غيري والمحل جديب يسرك أني أبت عنك مخيبا * ولم ير خلق من جدك يخيب واني صيرت الثناء مذمة * وقام بها في العالمين خطيب فكيف وأنت السيد العالم الذي لكل أناس من نداه نصيب أقمت شهورا في فنائك خمسة * لقى حيث لا تهمي علي جنوب فان نلت ما أملت فيك فإنني * جدير والا فالرحيل قريب واستشهد الشيخ الرضي في شرح الكافية على التوليد (وهو ان يقرن بالكلمة أو الكلام كلمة لغير القائل فيتولد بينهما كلام يناقض غرض القائل) بقول أبي تمام في مدح أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي.
على مثلها من اربع وملاعب * أذيلت مصونات الدموع السواكب فعارضه شخص فقال: لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فانخزل منه وترك الإنشاد (اه) ومثله في خزانة الأدب ومن هذه القصيدة سوى ما مر ذكره قوله.
وركب يساقون الركاب زجاجة * من السير لم تقصد لها كف قاطب (3) فقد اكلوا مها الغوارب بالسرى * وصارت لها أشباحهم كالغوارب يرى بالكعاب الرود طلعة نائر * وبالعرمس الوجناء غرة آئب كأن به ضغنا على كل جانب * من الأرض أو شوقا إلى كل جانب ويقول في أبي دلف.
إذا اخذته هزة المجد غيرت * عطاياه أسماء الأماني الكواذب يمدون من أيد عواص عواصب * تصول بأسياف قواض قواضب إذا الخيل جابت قسطل الحرب صدعوا * صدور العوالي في صدور الكتائب نضوت لهم سيفين رأيا ومنصلا * وكل كنجم في الدجنة ثاقب وكنت متى تهزز لخطب تغشه * ضرائب امضى من رقاق المضارب إليك أرحنا عازب الشعر بعدما * تمهل في روض المعاني العجائب غرائب لافت في فنائك انسها * من المجد فهي الآن غير غرائب أقول لأصحابي هو القاسم الذي * به شرح الجود التباس المذاهب واني لأرجو عاجلا ان تردني * مواهبه بحرا ترجى مواهبي