وتسألهم عما جاء بهم. فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارسا فيهم:
زهير بن القين وحبيب بن مظاهر، فسألهم العباس فقالوا: جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم ان تنزلوا على حكمه أو ننازلكم. قال: فلا تعجلوا حتى ارجع إلى أبي عبد الله فاعرض عليه ما ذكرتم. فوقفوا وانصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين ووقف أصحابه يخاطبون القوم، فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين: كلم القوم ان شئت وان شئت كلمتهم، فقال له زهير: أنت بدأت بهذا فكن أنت تكلمهم. فقال لهم حبيب بن مظاهر:
أما والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه عليه السلام وعترته وأهل البيت صلى الله عليه وآله وسلم وعباد أهل هذا العصر المجتهدين بالأسحار والذاكرين الله كثيرا. فقال له عزرة بن قيس: انك لتزكي نفسك ما استطعت، فاجابه زهير بن القين بما سيذكر في ترجمته إن شاء الله تعالى.
وذكر الطبري وابن الأثير ان الحسين عليه السلام لما عبأ أصحابه يوم عاشوراء جعل زهير بن القين في الميمنة وحبيب بن مظاهر في الميسرة. وروى أبو مخنف وحكاه عنه الطبري وذكره ابن الأثير ان الحسين عليه السلام لما خطب يوم عاشوراء الخطبة التي يقول فيها أما بعد فانسبوني فانظروا من انا الخ؟ فقال له شمر بن ذي الجوشن هو يعبد الله على حرف ان كان يدري ما تقول. قال له حبيب بن مظاهر: والله اني لأراك تعبد الله على سبعين حرفا وانا أشهد انك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك.
وروى الطبري عن أبي مخنف انه لما دنا عمر بن سعد ورمى بسهم ارتمى الناس فلما ارتموا خرج يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله بن زياد، فقالا: من يبارز؟ فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن خضير، فقال لهما الحسين اجلسا فقام عبد الله بن عمير الكلبي واستأذن الحسين عليه السلام في مبارزتهما فأذن له، فقالا، لا نعرفك! ليخرج الينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر، وجرى بينه وبينهما كلام إلى أن قتلهما - كما يأتي في ترجمته (انش) وروى الطبري عن أبي مخنف بسنده انه لما صرع مسلم بن عوسجة الأسدي أول أصحاب الحسين مشى اليه الحسين وحبيب بن مظاهر فدنا منه حبيب فقال: عز علي مصرعك يا مسلم، أبشر بالجنة! فقال له مسلم قولا ضعيفا: بشرك الله بخير! فقال له حبيب: لولا أني اعلم اني في اثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت ان توصيني بكل ما همك حتى أحفظك في كل ذلك بما أنت أهل له في القرابة والدين قال بل انا أوصيك بهذا رحمك الله - وأهوى بيده إلى الحسين - ان تموت دونه. قال: افعل ورب الكعبة. وروى الطبري عن أبي مخنف وذكره ابن الأثير انه لما حضر وقت صلاة الظهر وقال الحسين: سلوهم ان يكفوا عنا حتى نصلي ففعلوا، فقال لهم الحصين ابن تميم: انها لا تقبل. قال له حبيب بن مظاهر زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقبل منك يا خمار أو يا حمار! فحمل عليه حصين بن تميم وخرج اليه حبيب بن مظاهر فرضب وجه فرسه بالسيف فشب ووقع عنه وحمله أصحابه فاستنقذوه واخذ حبيب يقول:
أقسم لو كنا لكم اعدادا * أو شطركم وليتم الأكتادا يا شر قوم حسبا وآدا وجعل يقول يومئذ:
انا حبيب وأبي مظهر * فارس هيجاء وحرب تسعر أنتم أعد عدة وأكثر * ونحن أوفى منكم وأصبر ونحن أعلى حجة واظهر * حقا واتقى منكم واعذر وقاتل حبيب قتالا شديدا، فحمل عليه بديل بن صريم العقفاني من بني عقفان من خزاعة فضربه حبيب بالسيف على رأسه فقتله وحمل عليه آبر من بني تميم فطعنه فوقع فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع ونزل اليه التميمي فاحتز رأسه، فقال له الحصين انا شريكك في قتله، فقال الآخر: والله ما قتله غيري. فقال الحصين أعطنيه أعلقه في عنق فرسي كيما يرى الناس اني شركت في قتله ثم خذه وامض به إلى ابن زياد فلا حاجة لي فيما تعطاه، فأبى عليه فاصلح قومه فيما بينهما على هذا فدفع اليه رأس حبيب. فجال به في العسكر قد علقه في عنق فرسه. ثم دفعه بعد ذلك اليه. فانظر إلى ما آلت اليه حالة الاسلام والمسلمين.
والحصين بن تميم هو صاحب شرطة ابن زياد يتنازع مع آخر في رأس رجل هو من خيار المسلمين ويتجادل معه طويلا، لماذا؟ لأجل ان يأخذ الرأس فيعلقه في عنق فرسه يضربه بركبتيه ويجول به في العسكر ليعلم الناس انه شرك في قتله!! فيكون خبث وخسة واستخفاف بالدين أكثر من هذا؟! - فلما رجعوا إلى الكوفة اخذ الآخر رأس حبيب فعلقه في لبان فرسه ثم اقبل به إلى ابن زياد في القصر فبصر به ابنه القاسم بن حبيب - وهو يومئذ قد راهق فاقبل مع الفارس لا يفارقه كلما دخل القصر دخل معه وإذا خرج خرج معه، فارتاب به، فقال ما لك يا بني تتبعني؟ قال لا شئ! قال بلى يا بني أخبرني! قال له ان هذا الرأس الذي معك رأس أبي أفتعطينيه حتى أدفنه؟ قال يا بني لا يرضى الأمير ان يدفن وانا أريد ان يثيبني الأمير على قتله ثوابا حسنا. فقال له الغلام: لكن الله لا يثيبك على ذلك الا أسوأ الثواب، أما والله لقد قتلته خيرا منك وبكى، فمكث الغلام حتى إذا أدرك لم يكن له همة الا اتباع اثر قاتل أبيه ليجد منه غرة فيقتله بأبيه. فلما كان زمن مصعب بن الزبير وغزا مصعب باجميرا - وهو موضع بأرض الموصل - دخل عسكر مصعب فإذا قاتل أبيه في فسطاطه، فاقبل يختلف في طلبه والتماس غرته، فدخل عليه وهو قائل نصف النهار فضربه بسيفه حتى برد. وروى أبو مخنف انه لما قتل حبيب بن مظاهر هد ذلك حسينا وقال:
عند الله احتسب نفسي وحماة أصحابي.
حبيب بن المعلى الخثعمي هو حبيب بن المعلل الخثعمي المدائني الآتي، فان في بعض النسخ من كتب الحديث ابدال المعلل بالمعلى - كما ستعرف - وفي مشيخة الفقيه والى حبيب بن المعلى. أبي عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الوليد الخزار عن حماد بن عثمان عنه. وستعرف في ابن المعلل ان حماد ابن عثمان أحد الرواة عن ابن المعلل. وفي لسان الميزان: حبيب بن المعلى الخثعمي ذكره الطوسي وابن النجاشي في رجال الشيعة. وقال علي بن الحكم: كان صحيح الرواية معروفا بالدين والخير يروي عنه ابن عمير اه. وعلي بن الحكم من قدماء علماء الشيعة له كتاب في الرجال كان عند ابن حجر ونقل عنه كثيرا في لسان الميزان، وذهبت به الأيام فلم يره علماء الشيعة المتأخرون، وابن المعلى هذا المذكور في لسان الميزان هو ابن المعلى الآتي بعينه، فإنه هو الذي ذكره الطوسي والنجاشي وهو الذي يروي عنه ابن أبي عمير. وهذا يدل على أن الذي كان موجودا في نسخة ابن حجر من رجال النجاشي والشيخ وعلي بن الحكم هو ابن المعلى لا ابن المعلل. وهو يؤيد وجود المعلى بدل المعلل في كثير من النسخ. ويأتي حبيب بن المعلى السجستاني ولا دليل على اتحاده مع هذا، بل إن وصف