والمأمور للآمر بل الخادم للمخدوم ويتواضع له في مخاطباته بشعره فهو يقول في بعض قصائده مخاطبا له:
هيهات لا أجحد النعماء منعمها * خلفت يا ابن أبي الهيجاء في أبي ويقول مخاطبا له أيضا من أبيات:
إذ أنت سيدي الذي * ربيتني وأبي سعيد ويقول من قصيدة:
وكيف ينتصف الأعداء من رجل * العز أوله والمجد آخره فمن سعيد بن حمدان ولادته * ومن علي بن عبد الله سائره لقد فقدت أبي طفلا فكان أبي * من الرجال كريم العود ناضره هو ابن عمي دنيا حين أنسبه * لكنه لي مولى لا أناكره ويقول من قصيدة:
ورباني ففقت به البرايا * وأنشأني فسدت به الأناما ويقول أيضا:
أب بر ومولى وابن عم * ومستند إذا ما الخطب جالا ولما هرب ناصر الدولة من معز الدولة البويهي حين طرده إلى الشام * من ديار ربيعة سنة (347) والتجأ إلى أخيه سيف الدولة وكان ناصر الدولة اسن منه قال أبو فراس قصيدة يمدح بها سيف الدولة ويعرض فيها بذم ناصر الدولة الذي قتل أباه ولا توجد في الديوان المطبوع وهي:
لمثلها يستعد البأس والكرم * وفي نظائرها تستنفد النعم هي الرياسة لا تقنى جواهرها * حتى يخاض إليها الموت والعدم تقاعس الناس عنها وانتدبت لها * كالسيف لا نكل فيه ولا سأم ما زال يجحدها قوم و تنظرهم * حتى أقروا وفي آنافهم رغم شكرا فقد وفت الأيام ما وعدت * أقر ممتنع وانقاد معتصم وما الرياسة الا ما تقر به * شمس الملوك وتعنو تحته الأمم هذي شيوخ بني حمدان قاطبة * لاذوا بدارك عند الخوف واعتصموا حلوا بأكرم من حل القباب بها * بحيث حل الندى واستوسق الكرم مغارم المجد يعتد الملوك بها * مغانما في العلا في طيها نعم فكنت منهم وان أصبحت سيدهم * تواضع الملك في أصحابه عظم شيوخهم سبقت لا فضل ينعتها * وليس يفضل فينا الفاضل الهرم ولم يفضل عقيلا في ولادته * على علي أخيه السن والقدم وكيف يفضل من ازرى به بخل * وصد اليد والرجلان والصمم لا تنكروا يا بنية ما أقول فلن * تنسى التراث ولا إذ حال شيخكم كادت مخازيه ترديه فانقذه * منها بحسن دفاع عنه عمكم ثم تعود اليه عاطفة الرحم ويتجلى فيه كرم النفس فيقول:
استودع الله قوما لا أفسرهم * بالظالمين ولو شئنا لما ظلموا والقائلين ونغضي عن جوابهم * والجائرين ونرضى بالذي حكموا اني على كل حال لست أذكرهم * الا وللشوق دمع واكف سجم الأنفس اجتمعت يوما أو افترقت * إذا تأملت نفس والدماء دم رعاهم الله ما ناحت مطوقة * وحاطهم ابدا ما اورق السلم وغيظه من ناصر الدولة لم يمنعه ان يقول عنه (ومنا لدين الله سيف وناصر).
ومن مطالعة اخباره مع سيف الدولة يظهر عظيم تقدير سيف الدولة له واعتماده عليه وشدة تعلقه به ومحبته له ومعرفته مزاياه وسجاياه العالية.
وفي اليتيمة: كان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس ويميزه بالاكرام عن سائر قومه ويصطفيه لنفسه ويستصحبه في غزواته ويستخلفه على اعماله وأبو فراس ينثر الدر الثمين في مكاتباته إياه ويوفيه حق سؤدده ويجمع بين أدبي السيف والقلم في خدمته اه.
وكان أبو فراس يعلم منزلته هذه عند سيف الدولة وحاجة سيف الدولة إلى مواهبه وكفاءته فلا جرم ان خاطبه متحمسا معتزا بشجاعته وبابن عمه فقال:
يا ابن الذوائب من نزار والأولى * شادوا بيوت مناقب لم تهدم انا سيف سيف الدولة الماضي (1) إذا * نبت السيوف وخان كل مصمم ارم الكتائب بي فإنك عالم * اني أخو الهيجاء غير مذمم وعلام لا القى الفوارس معلما * وعلو جدك عدتي وعرمرمي انا سيفك الماضي وليس بقاطع * سيف إذا ما لم يشد بمعصم وكان سيف الدولة يعده لكل مهم فهو قائد جيوشه ونائبه فيها في حضوره وغيبته وشريكه في أكثر غزواته الروم وغيرها والفاعل كفعله وله في كل تلك الغزوات الأثر المحمود فقد سار معه إلى بلاد الروم حتى افتتحوها وأمره بالتقدم فتقدم وافتتح حصن عرقة وكمن لهم سيف الدولة في موضع وأبو فراس في موضع آخر فقتلا منهم مقتلة عظيمة وسار معه إلى حرب الدمستق لما خرج إلى الشام فهرب الدمستق واسر ابنه قسطنطين ولما نزل ملك الروم على رعبان ونفر اليه سيف الدولة امر أبا فراس بالتقدم فتقدم وأحسن البلاء. وأرسله سيف الدولة لبناء قلعة رعبان وقد خربتها الزلزلة وهي من الغور وبقيت خرابا خمس سنين وأراد سيف الدولة عمارتها وهي مجاورة للروم يخافون من تعميرها ويمنعون منه بكل جهدهم فلم ير أهلا لذلك غير أبي فراس فأرسله في قطعة من الجيش فعمرها في 37 يوما ورد قسطنطين بن الدمستق الذي جاء بجيشه ليمنعه عنها خائبا.
ولما طلب ملك الروم الهدنة من سيف الدولة فأبى الا بشروط توافقه وجهز ملك الروم الجيوش لغزو الشام نفر اليه سيف الدولة وأمر أبا فراس بالتقدم فتقدم وابلى بلاء حسنا كما مر.
اخلص أبو فراس لابن عمه سيف الدولة أمير الحمدانيين ووقف بطولته على خدمة العرش الحمداني فبادله سيف الدولة الاخلاص وأكبر فيه الخدمة.
وبعد ما اسره الروم كان مع ما هو عليه من مضاضة الأسر لا يني عن تعرف اخبار الروم والبعث بها إلى سيف الدولة والإشارة عليه والنصح له مع ما عرض بينهما من الوحشة وهو في الأسر فقد كتب اليه يعرفه خروج الدمستق في جموع الروم ويحثه على الاستعداد. وهو شريكه في قيادة الجيوش لتأديب قبائل العرب إذا أرادت العيث والخروج عن الطاعة. فقد اجتمعت