خاملا وذا صنعة خسيسة. كما أنه يحقر ويرذل بجهله وسوء فعله ونقص صفاته وان كان ذا أصل كريم ونسب في المجد عريق وفي ذلك عبرة لمن اعتبر وتشبه حال أبي تمام حال المتنبي في كون سقاية الماء أصلا لهما فأبو تمام كان بنفسه سقاء والمتنبي كان أبوه سقاء حتى هجي بذلك فقيل فيه:
عاش حينا يبيع في الكوفة الماء * وحينا يبيع ماء المحيا كما مر في ترجمته ولكن قدرهما ارتفع وشأنهما علا بالفضل والأدب ومن المشهور بين أهل الفضل في جبل عاملة وان كنت لم أره في كتاب ان أبا تمام كان في صغره أقرع وكان أهل قريته يعيرونه بذلك فيقولون أقرع جاسم وأنه خرج من قريته فرارا من ذلك ثم عاد إليها بعد ما كبر فرأته امرأة فقالت هذا أقرع جاسم فعاد ولم يدخل القرية وقد أشار أبو تمام إلى وصف حاله في أول أمره بقوله من قصيدة:
وما لامرئ من قائل يوم عثرة * لعا وخديناه الحداثة والفقر الكتب المؤلفة في سيرته ألفت في سيرة أبي تمام عدة كتب لأكابر العلماء (1) أخبار أبي تمام لأبي الحسن علي بن محمد العدوي الشمشاطي من أهل المائة الرابعة ذكره ابن النديم (2) أخبار أبي تمام للمرزباني محمد بن عمران بن موسى المتوفى ذكره ابن النديم وقال نحو مائة ورقة (3) أخبار أبي تمام لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي الشطرنجي المتوفى سنة 336 مطبوع بمصر (4) أخبار أبي تمام ومحاسن شعره للخالدين ذكره ابن النديم في الفهرست (5) أخبار أبي تمام للشيخ يوسف البديعي المتوفى سنة 1013 سماه هبة الأيام في أخبار أبي تمام (6) أخبار أبي تمام للشيخ محمد علي بن أبي طالب الزاهدي الجيلاني المتوفى سنة 1181 وعمل الآمدي أحمد بن بشر كتابا في الموازنة بين أبي تمام والبحتري طبع في الآستانة بمطبعة الجوائب وطبع في مصر.
انتشار صيته يكفي فيه قول ابن رشيق كما مر أنه هو والبحتري أخملا في زمانهما خمسمائة شاعر كلهم مجيد. ويكفي فيه طلب المعتصم له من الشام إلى العراق مع امتلاء ذلك العصر بالشعراء ويكفي فيه خبره المتقدم والآتي في سيرته مع آل سلمة إلى غير ذلك مما تطلع عليه في تضاعيف ترجمته.
نفسيته يمكننا ان نحلل نفسيته بما وصلنا من أخباره وقرأناه في أشعاره أنه كان عالي الهمة حسن الأخلاق حسن المعاشرة كريم الطبع غير بخيل بما في يديه كثير الشفقة والحنو حاد الذهن جدا حاضر الجواب سريع الانتقال مولعا بالافتخار بقومه وعشيرته وعروبته ولا يكون ذلك إلا ممن هو كبير النفس عالي الهمة فهو يقول:
سافر بطرفك في أقصى مكارمنا * إذ لم يكن لك في تأثيلها سفر هل أورق المجد إلا في بني أدد * أو اجتني قط لولا طئ ثمر لولا أحاديث أبقتها أوائلنا * من السدى والندى لم يعرف السمر تتلى وصايا المعالي بين أظهرهم * حتى لقد ظن قوم أنها سور ويقول أيضا:
أبى قدرنا في الجود الا نباهة * فليس لمال عندنا أبدا قدر جرى حاتم في حلبة منه لو جرى * بها القطر قال الناس أيهما القطر فمن شاء فليفخر بما شاء من ندى * فليس لحي غيرنا ذلك الفخر بنجدتنا القت بنجد بعاعها * سحاب المنايا وهي مظلمة كدر بكل كمي نحره عرضة القنا * إذا اضطرم الأحشاء وانتفخ السحر ويقول أيضا:
أنا ابن الذين استرضع الجود فيهم * وسمي فيهم وهو كهل ويافع مضوا وكأن المكرمات لديهم * لكثرة ما أوصوا بهن شرائع إلى غير ذلك وانه كان يمدح للعطاء ويهجو على المنع على عادة الشعراء الذين يكتسبون بشعرهم كما يأتي بيانه عند الكلام على شاعريته.
حفظه كان أعجوبة في الحفظ يكاد يكون حفظه معجزا وما ظنك بمن يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب غير المقاطيع والقصائد والرجز أقل أنواع الشعر استعمالا ويحفظ أربعة آلاف ديوان شعر قال ابن خلكان كان له من المحفوظات ما لا يلحقه فيه غيره قيل إنه كان يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب غير القصائد والمقاطيع. وفي خزانة الأدب كان يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب غير المقاطيع والقصائد وفي مرآة الجنان قيل كان يحفظ أربعة آلاف ديوان شعر وأربعة عشر ألف أرجوزة وفي الأغاني انه حلف ان يحفظ ديواني مسلم بن الوليد وأبي نواس فمكث شهرين حتى حفظهما (اه) وقيل إنه وضع المصحف بين يديه وأقسم ان لا ينال طعاما ولا شرابا إلا بعد أن يحفظ ديوان مسلم بن الوليد. ووجدت في بعض الكتب ولا أتذكره الآن أن أبا تمام وقف على وراق وعنده كتاب أراد أبو تمام شراءه فلم يتفقا على ثمنه فأخذه أبو تمام ونظر فيه مليا ثم رده اليه وذهب فناداه الوراق فقال خذه بالثمن الذي أردت فقال لا حاجة لي فيه فألح عليه بأخذه فقال خذ الكتاب واضبط فاخذ يقرأ من أوله حتى أنهاه وإذا هو قد حفظه.
أجوبته المسكتة سيأتي أنه قال له أبو العميثل أو غيره أو هو وأبو سعيد الضرير يا أبا تمام لم لا تقول ما يفهم فقال له لم لا تفهم ما يقال. وفي اخبار أبي تمام للصولي: حكى محمد بن داود ان أبا عبد الله أحمد بن محمد الخثعمي الكوفي قال لأبي تمام وقد اجتمعا فقام أبو تمام إلى الخلاء: أتدخلك فقال نعم لا نحملك. ومن أعظم أجوبته المسكتة انشاده على البديهة لما قيل له الأمير فوق من وصفت (لا تعجبوا ضربي له من دونه) البيتين الآتيين في اخباره مع أحمد بن المعتصم وقوله:
وكذاك القلوب في كل بؤس * ونعم طلائع الأجساد لما عيب عليه قوله:
شاب رأسي وما رأيت مشيب الر * أس إلا من فضل شيب الفؤاد كما يأتي في أخباره مع أحمد بن المعتصم ويأتي هناك أيضا انه أنشد أحمد بن المعتصم من أبيات:
فان يجد علة نعم بها * حتى كانا نعاد من مرضه فقال له أحمد بن المعتصم ما أبين العلة عليك فقال إنها علة قلب تميت الخاطر وتسد الناظر وتبلد الماهر وهذا من أحسن الأجوبة قال ابن أبي فنن فيما حكاه الصولي في أخبار أبي تمام وكان أبو تمام أحضر الناس خاطرا قال الصولي حدثني ابن الاعرابي المنجم قال كان أبو تمام إذا كلمه انسان اجابه قبل انقضاء كلامه كأنه يعلم ما يقول فأعد جوابه قال له رجل يا أبا