وخير من نعلمه بعد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وأولى الناس بالناس وأحقهم الأمر وأقربهم إلى الصدق وأرشدهم إلى العدل وأهداهم سبيلا وأدناهم إلى الله وسيلة وأمسهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحما. أنيبوا إلى طاعة أول الناس سلما وأكثرهم علما وأقصدهم طريقة وأسبقهم ايمانا وأحسنهم يقينا وأكثرهم معروفا وأقدمهم جهادا وأعزهم مقاما أخي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن عمه وأبي الحسن والحسين وزوج الزهراء البتول سيدة نساء العالمين، فقوموا أيها الناس فبايعوا على كتاب وسنة نبيه فان لله في ذلك رضى ولكم مقنع وصلاح والسلام. فقام الناس بأجمعهم فبايعوا أمير المؤمنين عليه السلام بأحسن بيعة وأجمعها، فلما استتمت البيعة قام اليه فتى من أبناء العجم وولاة الأنصار لمحمد بن عمارة بن التيهان أخي أبي الهيثم بن التيهان يقال له مسلم متقلدا سيفا فنادى من أقصى الناس أيها الأمير وسأله عن أمر، وقال: فعرفنا ذلك أيها الأمير رحمك الله ولا تكتمنا فإنك ممن شهد وغبنا ونحن مقلدون ذلك في أعناقكم والله شاهد عليكم فيما تأتون به من النصيحة لأمتكم وصدق الخبر عن نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم فقال حذيفة: أيها الرجل أما إذا ما سالت وفحصت هكذا فاسمع وافهم ما أخبرك به: ان من تسمى بإمرة المؤمنين قبل علي بن أبي طالب فإنهم تسموا بذلك وسماهم به الناس وعلي بن أبي طالب سماه بهذا الاسم جبرائيل عن الله تعالى وشهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن سلام جبرائيل له بإمرة المؤمنين. قال الفتى: كيف كان ذلك؟
قال حذيفة: ان الناس كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - قبل الحجاب - إذا شاؤوا فنهاهم ان يدخل أحد عليه وعنده دحية بن خليفة الكلبي لان جبرائيل كان يهبط عليه في صورته، قال حذيفة واني أقبلت يوما لبعض أموري إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مهجرا رجاء ان ألقاه خاليا، فإذا أنا بشملة قد سدلت على الباب، فرفعتها وهممت بالدخول فإذا أنا بدحية قاعد عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والنبي نائم، ورأسه في حجر دحية، فلما رأيته انصرفت فلقيني علي بن أبي طالب، فقال من أين أقبلت؟ قلت من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وماذا صنعت عنده؟ قلت: أردت الدخول عليه في كذا وكذا فكان عنده دحية الكلبي، وسالت عليا معونتي في ذلك الأمر، قال:
ارجع فرجعت وجلست بالباب ورفع علي الشملة ودخل فسلم فسمعت دحية يقول: وعليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته اجلس فخذ رأس أخيك وابن عمك من حجري فأنت أولى الناس به، فجلس وأخذ رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجعله في حجره، وخرج دحية من البيت، فقال علي عليه السلام: ادخل يا حذيفة فدخلت وجلست، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضحك في وجه علي، ثم قال: يا أبا الحسن من حجر من أخذت رأسي؟ قال من حجر دحية الكلبي، فقال ذلك جبرائيل يا علي ان جبرائيل سلم عليك بإمرة المؤمنين عن أمر الله عز وجل وقد أوحى إلي عن ربي أن أفرض ذلك على الناس. فلما كان من الغد بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ناحية فدك في حاجة فلبثت أياما ثم قدمت فوجدت الناس يتحدثون ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر الناس أن يسلموا على علي بإمرة المؤمنين - الحديث.
اه ما أردنا نقله من ارشاد الديلمي.
خطبته وبيعته عليا عليه السلام على رواية المسعودي وقال المسعودي في مروج الذهب: كان حذيفة عليلا بالكوفة (1) في سنة 36 فبلغه قتل عثمان وبيعة الناس لعلي، فقال: أخرجوني وادعوا الصلاة جامعة فوضع على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وعلى آله ثم قال أيها الناس ان الناس قد بايعوا عليا فعليكم بتقوى الله وانصروا عليا ووازروه فوالله انه لعلى الحق آخرا وأولا وانه لخير من مضى بعد نبيكم ومن بقي إلى يوم القيامة ثم أطبق بيمينه على يساره ثم قال اللهم اشهد قد بايعت عليا وقال الحمد لله الذي أبقاني إلى هذا اليوم، وقال لابنيه صفوان وسعد: احملاني وكونا معه فسيكون له حروب كثيرة فيهلك فيها خلق من الناس فاجتهدا ان تستشهدا معه فإنه والله على الحق ومن خالفه على الباطل.
ومات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة أيام وقيل بأربعين يوما واستشهد ولداه صفوان وسعد مع علي بصفين اه. وفي معجم البلدان عند ذكر السواد: مسح حذيفة بن اليمان سقي الفرات ومات بالمدائن والقناطر المعروفة بقناطر حذيفة منسوبة اليه وذلك لأنه نزل عندها وكان ذراعه وذراع ابن حنيف ذراع اليد وقبضة وابهاما ممدودة. وفيه أيضا: قناطر حذيفة بسواد بغداد منسوبة إلى حذيفة بن اليمان الصحابي لأنه نزل عندها وقيل:
لأنه رمها وأعاد عمارتها وقيل: قناطر حذيفة بناحية الدينور اه.
خطبته بالمدائن في أمر الساعة روى الحاكم في المستدرك بسنده عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال نزلنا من المدائن على فرسخ فلما جاءت الجمعة حضر وحضرت فخطبنا حذيفة فقال إن الله عز وجل يقول (اقتربت الساعة وانشق القمر) الا وان الساعة قد اقتربت الا وان القمر قد انشق الا وان الدنيا قد آذنت بفراق الا وان اليوم المضمار وغدا السباق. فقلت لأبي:
أيستبق الناس غدا؟ قال: يا بني انك لجاهل؟ انما يعني العمل اليوم والجزاء غدا. فلما جاءت الجمعة الأخرى حضرنا فخطبنا حذيفة فقال إن الله عز وجل يقول (اقتربت الساعة وانشق القمر) الا وان اليوم المضمار وغدا السباق ألا وان الغاية النار والسابق من سبق إلى الجنة. هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
أخباره لما حضرته الوفاة - وصيته روى الحاكم في المستدرك بسنده عن بلال بن يحيى قال: لما حضر حذيفة الموت وكان قد عاش بعد عثمان أربعين يوما قال لنا: أوصيكم بتقوى الله والطاعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وفي تاريخ دمشق عن خالد بن ربيع العبسي في حديث ان حذيفة أوصى أبا مسعود الأنصاري حين جاء إليه إلى المدائن لما سمع بوجعه فقال: عليك بما تعرف ولا تكن بأمر الله واهنا.
ما قاله في مرضه في تاريخ دمشق: قيل له في مرضه: ما تشتهي؟ فقال: أشتهي الجنة. فقيل له ما تشتكي؟ فقال: أشتكي الذنوب. قالوا: ألا ندعو لك الطبيب؟ فقال: الطبيب أمرضني لقد عشت فيكم على خلال ثلاث:
الفقر فيكم أحب إلي من الغنى، والضعة فيكم أحب إلي من الشرف، ومن حمدني فيكم ولامني في الحق سواء، وقال: اللهم انك تعلم لولا أني