اخباره مع ملوك بني العباس ووزرائهم وأمرائهم أدرك أبو تمام خلافة المأمون، كلها وهي عشرون سنة وكسر، وخلافة أخيه المعتصم، وخلافة الواثق بن المعتصم كلها ووفاته ووفاة الواثق متقارنتان أو متقاربتان، وله مدائح في الثلاثة وفي وزرائهم وأمرائهم وكتابهم وفي ابن أبي دؤاد قاضي المعتصم، وأخباره مع الجميع شائقة.
أخباره مع المأمون يظهر ان اتصاله بالمأمون كان قليلا، ولذلك لم يوجد في ديوانه في مدحه إلا قصيدتان والأولى منهما قال جامع ديوانه إنها في المأمون، ثم قال والأولى أن تكون في المعتصم (أقول) بل الظاهر إنها في المأمون، وجعلها في المعتصم لا وجه له بل لا يبعد ان يكون قوله فيها (الله يشهد) البيت والبيتان بعده إشارة إلى تشيع المأمون وبيعته للرضا وقد صرح فيها بأن وسيلته حب آل محمد وأنه قد ظن به تجسم روح السيد الحميري فهو يتوسل إلى المأمون بتشيعه والذي كان معروفا بالتشيع هو المأمون لا المعتصم، ومن هذه القصيدة قوله.
عذلت غروب دموعه عذاله * بسواكب فندن كل مفند أتت النوى دون الهوى فأنى الأسى * دون الأسى بحرارة لم تبرد عبث الفراق بدمعه وبقلبه * عبثا يروح الجد فيه ويغتدي يا يوم شرد يوم لهوي لهوه * بصبابتي وأذل عز تجلدي يوم أفاض جوى أغاض تعزيا * خاض الهوى بحري حجاه المزبد عطفوا الخدور على البدور ووكلوا * ظلم الستور بنور حور نهد وثنوا على وشي الخدود صيانة * وشي البرود بمسجف وممهد إلى أن قال في مديحها فانتاش مصر من اللتيا والتي * بتجاوز وتعطف وتغمد في دولة لحظ الزمان شعاعها * فارتد منقلبا بعيني أرمد من كان مولده تقدم قبلها * أو بعدها فكأنه لم يولد الله يشهد أن هديك للرضا * فينا ويلعن كل من لم يشهد أو لي أمة أحمد ما أحمد * بمضيع ما أوليت أمة أحمد أما الهدى فقد افتتحت بزنده * في العالمين فويل من لم يهتد نحن الفداء من الردى لخليفة * برضاه من سخط الليالي نفتدي هدمت مساعيه المساعي فابتنت * خطط المكارم في عراص الفرقد وأرى الأمور المشكلات تمزقت * ظلماتها عن رأيك المتوقد ووسيلتي فيها إليك طريفة * شام يدين بحب آل محمد نيطت قلائد ظرفه بمحير * متدمشق متكوف متبغدد حتى لقد ظن الغواة وباطل * اني تجسم في روح السيد والقصيدة الثانية هذا أكثرها.
دمن ألم بها فقال سلام * كم حل عقدة صبره الالمام نحرت ركاب القوم حتى يعبروا * رجلا لقد عنفوا علي ولاموا وقفوا علي اللوم حتى خيلوا * أن الوقوف على الديار حرام ولقد أراك فهل أراك بغبطة * والعيش غض والزمان غلام أعوام وصل كان ينسي طولها * ذكر النوى فكأنها أيام ثم انبرت أيام هجر أردفت * نحوي أسى فكأنها أعوام ثم انقضت تلك السنون وأهلها * فكأنها وكأنهم أحلام أتحدرت عبرات عينك ان دعت * ورقاء حين تضعضع الاظلام لا تشجين لها فان بكاءها * ضحك وإن بكاءك استغرام هن الحمام فان كسرت عيافة * من حائهن فإنهن حمام الله أكبر جاء أكبر من جرت * فتعثرت في كنهه الأوهام من لا يحيط الواصفون بوصفه * حتى يقولوا وصفه إلهام من شرد الاعدام عن أوطانه * بالبذل حتى استطرف الاعدام وتكفل الأيتام عن آبائهم * حتى وددنا أننا أيتام يتجنب الآثام ثم يخافها * فكأنما حسناته آثام يا أيها الملك الهمام وعدله * ملك عليه في القضاء همام ما زال حكم الله يشرق وجهه * في الأرض مذ نيطت بك الأحكام الشرق غرب حين تلحظ قصده * ومخالف اليمن القصي شآم بالشدقميات العتاق كأنما * أشباحها بين الآكام أكام والأعوجيات الجياد كأنها * تهوي وقد ونت الرياح سهام لما رأيت الدين يخفق قلبه * والكفر فيه تغطرس وعرام أوريت زند عزائم تحت الدجى * أسرجن فكرك والبلاد ظلام فنهضت تسحب ذيل جيش ساقه * حسن اليقين وقاده الاقدام ملأ الملا عصبا فكاد بأن يرى * لا خلف فيه ولا له قدام بسواهم لحق الاياطل شزب * تعليقها الاسراج والالجام ومقابلين إذا انتموا لم تخزهم * في نصرك الأخوال والأعمام سفع الدؤوب وجوههم فكأنهم * وأبوهم سام أبوه حام تخذوا الحديد من الحديد معاقلا * سكانها الأرواح والأجسام مسترسلين إلى الحتوف كأنما * بين الحتوف وبينهم أرحام آساد موت مخدرات مالها * إلا الصوارم والقنا آجام حتى نقضت الروم منك بوقعة * شنعاء ليس لنقضها إبرام في معرك أما الحمام فمفطر * في هبوتيه والكماة صيام والضرب يقعد قرم كل كتيبة * شرس الضريبة والحتوف قيام ففصمت عروة جمعهم فيها وقد * جعلت تفصم من عراها الهام ما كان للاشراك فورة مشهد * والله فيه وأنت والاسلام لما رأيتهم تساق ملوكهم * خرقا (1) إليك كأنهم أنعام متساقطي ورق الثياب كأنهم * دانوا فأحدث فيهم الاحرام أكرمت سيفك غربه وذبابه * عنهم وحق لسيفك الاكرام أيقظت هاجعهم وهل يغنيهم * سهر النواظر والعقول نيام جحدتك منهم ألسن لجلاجة * أقررن أنك في القلوب إمام فاسلم أمير المؤمنين لأمة * نتجت رجاءك والرجاء عقام قضى النبي ذمامها مذ حطها * عنه فليس لها عليه ذمام إن المكارم للخليفة لم تزل * والله يعلم ذاك والأقوام كتبت له ولاوليه قبله * في اللوح حتى جفت الأقلام فبنو أبيك على نفاسة قدرهم * فيهم وإنهم هم الاعلام متواطئو عقبيك في طلب العلى * والمجد ثمة تستوي الاقدام خبره مع الحسن بن سهل السرخسي وزير المأمون كما أدرك أبو تمام عصر المأمون أدرك عصر وزيره الحسن بن سهل بعد أخيه الفضل، ووجدنا في ديوانه قصيدتين في مدح الحسن بن سهل، ولم نعثر له على خبر معه غير ذلك، فيظهر ان اتصاله به كان قليلا كاتصاله