فإن لم يكن ود قريب نعده * ولا نسب دون الرجال قراب فأحوط للاسلام ان لا يضيعني * ولي عنه فيه حوطة ومناب وما بالك بذلك الفارس المغوار بينما هو يفتخر بآبائه وبحروبه إلى أقصى ما يتصور إذا بعاطفة الدين تميل به إلى مناجاة الله تعالى فكأنه عابد في محراب لا أسد في مجال الضراب فيقول:
انظر لضعفي يا قوي * وكن لفقري يا غني أحسن إلي فإنني * عبد إلى نفسي مسي ويقول وليسا في الديوان المطبوع:
انا ان عللت نفسي * بطبيب أو دواء عالم ان ليس الا * بيد الله شفائي ويسلي نفسه وهو في الأسر ويعظها بأبلغ مواعظ أهل العرفان فيقول:
ما لي جزعت من الخطوب وانما * اخذ المهيمن بعض ما أعطاني ويقول مظهرا حسن ظنه وثقته بالله تعالى:
ومن لم يوق الله فهو ممزق * ومن لم يعز الله فهو ذليل إذا لم يعنك الله فيما تريده * فليس لمخلوق اليه سبيل وان هو لم يدللك في كل مسلك * ضللت ولو أن السماك دليل وان هو لم ينصرك لم تلق ناصرا * وان عز أنصار وجل قبيل ويتمدح بالكرم والسخاء وبذل الزاد وأقراء الضيف في كثير من شعره كقوله:
ولا والله ما بخلت يميني * ولا أصبحت أشقاكم بمالي ولا أمسي احكم فيه بعدي * قليل الحمد مذموم الفعال ولكني سأفنيه واقني * ذخائر من ثواب أو جمال وللوراث ارث أبي وجدي * جياد الخيل والأسل الطوال وما تجني سراة بني أبينا * سوى ثمرات أطراف العوالي وقوله من قصيدة:
ولست بجهم الوجه في وجه صاحبي * ولا قائل للضيف هل أنت راحل ولكن قراه ما تشهى ورفده * ولو سأل الأعمار ما هو سائل وقوله من أبيات:
إذا مررت بواد جاش غاربه * فاعقل قلوصك وانزل ذاك وادينا وان عبرت بناد لا تطيف به * أهل السفاهة فاجلس فهو نادينا نغير في الهجمة (1) الغراء ننحرها * حتى ليعطش في الاحياء راعينا تجفل الشول بعد الخمس صادية * إذا سمعن عن الأمواه حادينا وتغتدي الكوم اشتاتا مروعة * لا تأمن الدهر الا من أعادينا ويصبح الضيف أولانا بمنزلنا * نرضى بذاك ويمضي حكمه فينا وقوله من أبيات:
سلي عني نساء بني معد * يقلن بما رأين وما سمعنه ألست أمدهم لذرى ظلال * وأوسعهم لدى الأضياف جفنه وقوله:
أحمي حريمي ان يباح * ولست أحمي ما ليه وتخافني كوم اللقاح * وقد امن عذابيه تمسي إذا طرق الضيوف * فناؤها بفنائيه ناري على ترف تأجج * للضيوف السارية يا نار ان لم تجلبي * ضيفا فلست بناريه ويرتاح إلى الكرم والمعروف مع من يشكر ومن يكفر فإنه ان فاته الشكر لم يفته الاجر فيقول:
وما نعمة مكفورة قد صنعتها * إلى غير ذي شكر بما نعتي أخرى سآتي جميلا ما حييت فإنني * إذا لم أفد شكرا أفدت به اجرا ويقول:
وأقسم ان فوت جميل فعل * أشد علي من حز المواسي وما أغناه حين تنظر إلى ملكه بقايا ما وهب إذ يقول في ابدع معنى وأبلغ لفظ تعرض فيه هذه الصورة الشعرية للشجاعة والكرم:
بخلت بنفسي ان يقال مبخل * وأقدمت جبنا ان يقال جبان وملكي بقايا ما وهبت مفاضة * ورمح وسيف صارم وحصان وبلغ التحمس والفخر بالعشيرة في نفس أبي فراس مدى بعيدا فهو يقول في قصيدته الرائية التي يفتخر فيها بقومه وعشيرته والتي بلغ فيها الغاية في الحماسة و الفخر والتي زادت أبياتها العامرة على (240) بيتا:
لنا في بني عمي واحياء اخوتي * علا حيث سار النيران سوائر وانهم السادات والغرر التي * أطول على خصمي بها وأكاثر ولولا اجتناب العتب من غير منصف * لما عزني قول ولا خان خاطر فكأنه لم يكفه هذا القول الكثير وهذا الفخر العريض الطويل ورأى نفسه قد اختصر ولم يطنب وأقل ولم يطل اجتنابا للعتب من غير منصف ولولا ذلك لما عزه قول ولا خانه خاطر وأي قول يعزه وخاطر يخونه بعد (240) بيتا تصرف فيها بأنواع الفخر والحماسة واستقصى ذكر عشيرته وأيامهم ووقائعهم ومفاخرهم وهو يرى نفسه مقصرا قد منعه خوف العتب من غير منصف من الإطالة والاستيفاء.
اخباره له اخبار كثيرة شائقة منها مع سيف الدولة ومنها في الأسر ومنها مع المتنبي وبني ورقاء ومنها غير ذلك.
أخباره مع سيف الدولة عدى ما تقدم وعدى الروميات كان سيف الدولة الأمير المقدم في آل حمدان وكان هو مربي أبي فراس فان أبا العلاء سعيد بن حمدان والد أبي فراس وعم سيف الدولة كان قد قتل. قتله ابن أخيه ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان حين جاء اليه إلى الموصل وخاف ان يتغلب عليها فقتله غيلة سنة (323) وأبو فراس يومئذ طفل صغير عمره سنتان أو ثلاث سنين فرباه ابن عمه سيف الدولة ونشأ في حجره وكان أبو فراس يعرف له ذلك وينزله منزلة والده ويعترف بجميله وينوه بذلك في أشعاره ويعامله في أكثر حالاته معاملة التابع للمتبوع