ورغبهم بأمير المؤمنين وسيد المسلمين فان من الحق ان تنصروه وهذا ابنه الحسن وعمار قد قدما الكوفة يستنفران الناس فانفروا، فنفر أصحاب حذيفة إلى أمير المؤمنين عليه السلام ومكث حذيفة بعد ذلك خمس عشرة ليلة وتوفي اه. وقال المسعودي في مروج الذهب: كان حذيفة عليلا بالمدائن في سنة 36 فبلغه قتل عثمان وبيعة الناس لعلي فقال: أخرجوني وادعوا: الصلاة جامعة، فوضع على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وآله ثم قال: أيها الناس ان الناس قد بايعوا عليا فعليكم بتقوى الله وانصروا عليا ووازروه فوالله انه لعلى الحق آخرا وأولا وانه لخير من مضى بعد نبيكم ومن بقي إلى يوم القيامة، ثم أطبق يمينه على يساره، ثم قال:
اللهم اشهد اني قد بايعت عليا، وقال: الحمد لله الذي أبقاني إلى هذا اليوم، وقال لابنيه صفوان وسعد: احملاني وكونا معه فسيكون له حروب يهلك فيها خلق من الناس فاجتهدا ان تشهدا (تستشهدا) معه فإنه والله على الحق ومن خالفه على الباطل!. ومات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة أيام وقيل بأربعين يوما اه. وشهد ابناه المذكوران بعد ذلك صفين مع أمير المؤمنين عليه السلام، وقتلا بها شهيدين أو أحدهما كما مر. وسيأتي عند ذكر تولية المدائن خبر بيعته لعلي عليه السلام وما خطب به ما له تعلق بهذا المقام فراجع.
فقهه ومعرفته بالقضاء روى ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة جارية بن ظفر اليمامي بسنده عنه ان دارا كانت بين أخوين فحظرا في وسطها حظرا ثم هلكا فادعى عقب كل منهما ان الحظار له واختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأرسل حذيفة بن اليمان ليقضي بينهما، فقضى بالحظار لمن وجد معاقد القمط تليه، ثم رجع فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أصبت أو أحسنت اه. (تفسير ذلك) ان الحظار هو الحاجز بين الملكين من قصب ونحوه شبه الحائط، والقمط: ما يربط به ذلك القصب من حبل ونحوه، فمن كانت أطراف تلك الحبال معقودة مما يليه فالحظار له.
علمه بالكتاب والسنة في رجال بحر العلوم: أثبت أبو عبد الله الحسين بن علي الطبري (البصري) في الايضاح لحذيفة عند ذكر الدرجات درجة العلم بالسنة، ويستفاد من بعض الأخبار أن له درجة العلم بالكتاب أيضا وقد روي أن حذيفة كان يقول: اتقوا الله يا معشر القراء وخذوا طريق من كان قبلكم، فوالله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا ولئن تركتموه يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا. وانه كان يقول للناس: خذوا عنا فانا لكم ثقة ثم خذوا عن الذين يأخذون عنا ولا تأخذوا عن الذين يلونهم، قالوا لم، قال: لأنهم يأخذون حلو الحديث ويدعون مره ولا يصلح حلوه الا بمره.
تجويزه الكذب للضرورة في حلية الأولياء بسنده عن النزال بن سبرة قال: كنا مع حذيفة في البيت فقال له عثمان: يا أبا عبد الله ما هذا الذي يبلغني عنك؟ قال ما قلته، فقال له عثمان: أنت أصدقهم وأبرهم. فلما خرج قلت له: يا أبا عبد الله ألم تقل ما قلت! قال بلى ولكن اشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله. وأورده ابن عساكر في تاريخ دمشق نحوه. وكان يقول: ما أدرك هذا الامر أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الا قد اشترى بعض دينه ببعض، قالوا: وأنت؟ قال: وأنا والله: اني لادخل على أحدهم، وليس أحد الا وفيه مساوئ ومحاسن، فاذكر من محاسنه وأعرض عن مساويه، وربما دخلت على أحدهم وهو على الغداء فدعاني فأقول اني صائم ولست بصائم. كأنه لا يريد أن يأكل من طعام لا يعلم بطيبه.
كان حذيفة صاحب حلقة في المسجد يدل ما سيأتي عند ذكر حديثه عن الفتن انه كان صاحب حلقة بالكوفة يجلس في المسجد ويجتمع عليه الناس فيحدثهم، روى ذلك الإمام أحمد بن حنبل في حديثين له عن خالد بن خالد اليشكري، ورواه الشيخ الطوسي في الأمالي بسنده عن خالد بن خالد اليشكري كما سيأتي هناك.
حديثه مع الفتن في الاستيعاب وأسد الغابة: سئل حذيفة: أي الفتن أشد؟ قال أن يعرض عليك الخير والشر فلا تدري أيهما تركب. وروى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده بسنده عن خالد بن اليشكري قال خرجت زمان فتحت تستر حتى قدمت الكوفة فدخلت المسجد فإذا انا بحلقة فيها رجل صدع من الرجال حسن الثغر يعرف فيه أنه من رجال أهل الحجاز. فقلت من الرجل؟ فقال القوم أوما تعرفه قلت لا، فقالوا هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقعدت وحدث القوم فقال: ان الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير وكنت أساله عن الشر، فأنكر ذلك القوم عليه، فقال لهم: اني سأخبركم بما أنكرتم من ذلك: جاء الاسلام حين جاء، فجاء أمر ليس كأمر الجاهلية، وكنت قد أعطيت في القرآن فهما، فكان رجال يجيئون فيسألون عن الخير، فكنت أساله عن الشر، فقلت: يا رسول الله أيكون بعد هذا الخير شر كما كان قبله شر؟ فقال نعم، قلت فما العصمة يا رسول الله، قال السيف قلت وهل بعد هذا السيف بقية، قال: نعم تكون امارة على أقذاء وهدنة على دخن، قلت: ثم ماذا؟ قال ثم تنشأ دعاة الضلالة فإن كان لله يومئذ في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك فالزمه والا فمت وأنت عاض على جذل شجرة الحديث. ورواه الشيخ الطوسي في أماليه باسناده عن خالد بن اليشكري مثله الا أنه قال: فإذا أنا بحلقة فيها رجل جهم من الرجال، فقلت من هذا الخ. وقال أعطيت من القرآن فقها بدل فهما، وقال: فان رأيت يومئذ خليفة عدل فالزمه، والا فمت عاضا على جذل شجرة اه. (الجذل) بكسر الجيم وفتحها وسكون الذال المعجمة أصل الشجرة يقطع. قاله في النهاية. وروى الإمام أحمد في المسند بسنده عن نصر بن عاصم الليثي قال: اتيت اليشكري في رهط من بني ليث عن حديث حذيفة (إلى أن قال) قدمنا الكوفة باكرا من النهار، فدخلت المسجد فإذا فيه حلقة كأنما قطعت رؤوسهم (1) يستمعون إلى حديث رجل، فقمت عليهم، فجاء رجل فقام إلى جنبي، فقلت من هذا؟ قال أبصري أنت، قلت نعم، قال قد عرفت لو كنت كوفيا لم تسال عن هذا هذا حذيفة بن اليمان، فسمعته يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير وأساله عن الشر وعرفت ان الخير لن يسبقني، قلت: يا رسول الله أبعد هذا الخير شر، قال: يا حذيفة تعلم كتاب الله واتبع ما فيه، ثلاث مرات، قلت يا رسول الله أبعد هذا الشر خير قال هدنة على دخن وجماعة على أقذاء قلت يا رسول الله الهدنة على دخن ما هي قال: لا