بسنده عن محمد بن سيرين قال حجر بن عدي: لا تغسلوا عني دما ولا تطلقوا عني قيدا وادفنوني في ثيابي فانا نلتقي غدا بالجادة وفي الاستيعاب:
ثم قال لمن حضر من أهله: لا تطلقوا عني حديدا ولا تغسلوا عني دما فاني ملاق معاوية على الجادة. وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن محمد قال: لما أتي بحجر فامر بقتله قال: ادفنوني في ثيابي فاني أبعث مخاصما.
وفي الإصابة في تتمة رواية أحمد في الزهد والحاكم في المستدرك من طريق ابن سيرين فقال: لا تطلقوا عني حديدا ولا تغسلوا عني دما فاني ملاق معاوية بالجادة واني مخاصم، وفي أسد الغابة قال: لا تنزعوا عني حديدا ولا تغسلوا عني دما فاني ملاق معاوية على الجادة، وفي تاريخ دمشق:
فقال حجر لأصحابه: ان قتلني معاوية لا تفكوا قيودي وادفنوني بها ولا تغسلوا عني دما فاني القى معاوية بذلك غدا، وقال الطبري ثم قال لمن حضره من أهله: لا تطلقوا عني حديدا ولا تغسلوا عني دما فاني ألاقي معاوية غدا على الجادة. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي مخنف أن هدبة بن فياض الأعور أمر بقتل حجر بن عدي فمشى اليه بالسيف فارتعدت فرائصه، فقال: يا حجر! أليس زعمت أنك لا تجزع من الموت، فانا ندعك وابرأ من صاحبك. فقال وما لي لا أجزع وانا أرى قبرا محفورا وكفنا منشورا وسيفا مشهورا. واني والله ان أقول ما يسخط الرب فقتله وذلك في شعبان سنة 51. وقال أبو الفرج والطبري وابن الأثير:
فمشى اليه هدبة بن الفياض الأعور بالسيف فارتعدت فصائله (فأرعدت خصائله) فقالوا زعمت أنك لا تجزع من الموت فانا ندعك فابرأ من صاحبك، فقال: ما لي لا اجزع وانا أرى قبرا محفورا وكفنا منشورا وسيفا مشهورا واني والله ان جزعت لا أقول ما يسخط الرب، فقتله. وقال المرزباني: ثم مشى اليه هدبة الأعور بالسيف فشخص اليه حجر، فقال:
ألم تقل انك لا تجزع من الموت؟ فقال: أرى كفنا منشورا وقبرا محفورا وسيفا منشورا فما لي لا اجزع اما والله لئن جزعت لا أقول ما يسخط الرب، فقال له فابرأ من علي وقد أعد لك معاوية جميع ما تريد ان فعلت. فقال ألم أقل لك اني لا أقول ما يسخط الرب، ثم قال: ان كنت أمرت بقتل ولدي فقدمه، فقدمه فضربت عنقه، فقيل له تعجلت الثكل فقال: خفت ان يرى ولدي هول السيف على عنقي فيرجع عن ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام ولم يذكر قتل ولده غير المرزباني. قال ابن سعد:
فقيل لحجر مد عنقك. فقال: ان ذلك لدم ما كنت لأعين عليه فقدم فضربت عنقه. وقال المرزباني: قيل لما قدم ليقتل قيل له: مد عنقك.
فقال ما كنت لأعين الظالمين. قال أبو الفرج والطبري: وأقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حتى قتلوا ستة نفر. وقال ابن الأثير: فقتلوه (أي حجر) وقتلوا ستة. فقال عبد الرحمن بن حسان العنزي وكريم بن عفيف الخثعمي: ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته فبعثوا إلى معاوية فأخبروه فقال ائتوني بهما. قال الطبري: ولما حمل العنزي والخثعمي إلى معاوية قال العنزي لحجر: يا حجر لا يبعدنك الله فنعم أخو الاسلام كنت، وقال الخثعمي: لا تبعد ولا تفقد فقد كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ثم ذهب بهما واتبعهما حجر بصره وقال: كفى بالموت قطاعا لحبل القرائن وقال المرزباني: فلما حمل عبد الرحمن بن حسان العنزي وكريم بن عفيف الخثعمي وكانا من أصحاب حجر، قال العنزي: يا حجر لا تبعد ولا يبعد (ثوابك) مثواك فنعم أخو الاسلام كنت، وقال الخثعمي يا حجر لا تبعد ولا تفقد فلقد كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ثم ذهب بهما إلى القتل فاتبعهما حجر بصره وقال:
كفى بشفاه (1) القبر بعدا لهالك * وبالموت قطعا لحبل القرائن وفي هذا المقام أمور تستدعي النظر (أولا) ان قول صاحب الأغاني والطبري: فاقبلوا يقتلونهم حتى قتلوا ستة، فقال عبد الرحمن الخ. يدل على أن الستة غير حجر لقوله بعد ذلك: فالتفتنا إلى حجر، فيكون المقتولون سبعة حجر والستة الذين معهم ومنهم ولده همام، وإذا أضيف إليهم عبد الرحمن بن حسان الذي دفنه زياد حيا كانوا ثمانية، (ثانيا) قول ابن الأثير: فقتلوه وقتلوا ستة فقال عبد الرحمن الخ... يدل على أن قتل حجر قبل قول عبد الرحمن والحال أنه بعده كما يدل عليه خطابهما لحجر (ثالثا) قول المرزباني: ثم ذهب فإنه انما ذهب بهما إلى معاوية كما قال أبو الفرج والطبري، وكما يدل عليه قوله: فاتبعهما حجر بصره، فإنه يدل على أنه ذهب بهما إلى بعيد وقتلهم انما كان في مكان واحد (رابعا) المرزباني يقول إن المتمثل بالبيت هو حجر و أبو الفرج والطبري يقولان: ان المتمثل به هو العنزي. قال أبو الفرج والطبري وابن الأثير فلما دخلا على معاوية قال الخثعمي: الله الله يا معاوية فإنك من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة ومسئول عما أردت بقتلنا وفيم سفكت دماءنا فقال له معاوية ما تقول في علي؟ قال أقول فيه قولك قال أتتبرأ من دين علي الذي كان يدين الله به؟ فسكت وهذا تصريح من معاوية بأنه هو يتبرأ من دين علي الذي كان يدين الله به، والذي يظهر لي انه انما طلب منه هذه البراءة بهذا اللفظ الفظيع لاعتقاده انه لا يتبرأ فيقول لا، فيجد سبيلا إلى قتله، وقد علم هو ذلك فسكت. أما قول الطبري بعد قوله فسكت وكره معاوية أن يجيبه خلاف الظاهر فإنه لو كان يريد العفو عنه ويكره أن يجيبه بلا الموجبة لقتله عنده لما شدد عليه بهذه العبارة السيئة التي هي كفر صريح - قال: وقام شمر بن عبد الله الخثعمي فاستوهبه، فقال: هو لك غير اني حابسه شهرا فحبسه ثم أطلقه على أن لا يدخل الكوفة ما دام له سلطان، فنزل الموصل، فكان ينتظر موت معاوية ليعود إلى الكوفة فمات قبل معاوية بشهر. وأقبل على عبد الرحمن بن حسان العنزي فقال له يا أخا ربيعة ما تقول في علي؟ قال: دعني ولا تسألني فهو خير لك! قال والله لا أدعك حتى تخبرني عنه، قال أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيرا والآمرين بالمعروف (بالحق والقائمين بالقسط) والناهين عن المنكر والعافين عن الناس. قال فما تقول في عثمان؟ قال هو أول من فتح أبواب الظلم وأرتج أبواب الحق. قال قتلت نفسك. قال بل إياك قتلت ولا ربيعة بالوادي - يعني أنه ليس ثمة أحد من قومه فيتكلم فيه - فبعث به معاوية إلى زياد وكتب اليه: ان هذا شر من بعثت به فعاقبه بالعقوبة التي هو أهلها واقتله شر قتلة، فبعث به زياد إلى قس الناطف فدفنه به حيا - وقس الناطف موضع قريب من الكوفة على شاطئ الفرات الشرقي - قال المرزباني: لما اجتمع إلى حجر أصحابه لتوديعه قال:
فمن لكم مثلي لدى كل غارة * ومن لكم مثلي إذا الباس أصحرا ومن لكم مثلي إذا الحرب قلصت * وأوضع فيها المستميت وشمرا