أنتم فيه؟ إليك وراءك أوسع لك!. فكتب عمرو بن حريث بذلك إلى زياد وكتب اليه: ان كانت لك حاجة بالكوفة فالعجل - وعمرو بن حريث هذا من بني مخزوم قيل إن له صحبة سكن الكوفة وكان يجالس زيادا وابنه عبيد الله ويأكل من دنياهم. وقال ابن سعد: ولي الكوفة لزياد وابنه عبيد الله - فأخذ زياد السير حتى قدم الكوفة فأرسل إلى عدي بن حاتم وعدة من أشراف أهل الكوفة ليعذر اليه وينهاه عن هذه الجماعة وان يكف لسانه عما يتكلم به فاتوه فلم يجبهم إلى شئ ولم يكلم أحدا منهم وجعل يقول:
يا غلام اعلف البكر - وبكر في ناحية الدار - فقال له عدي بن حاتم:
أمجنون أنت أكلمك وأنت تقول يا غلام اعلف البكر!... فقال عدي لأصحابه: ما كنت أظن هذا البائس بلغ به الضعف كل ما أرى. فنهض القوم عنه وأتوا زيادا فأخبروه ببعض وخزنوا بعضا وحسنوا أمره، وسألوا زيادا الرفق به. فقال: لست أذن لأبي سفيان!. فأرسل اليه الشرط والبخارية فقاتلهم بمن معه ثم انفضوا عنه وأتي به زياد وبأصحابه اه.
والذي ذكره من رد حجر على رسول ابن حريث ومن انه لم يكلم أحدا من رسل ابن زياد وما جرى من الحوار بينه وبين عدي بن حاتم لم يذكره غيره.
وفي الأغاني: انه لما جمعت الكوفة والبصرة لزياد بعد هلاك المغيرة دخل الكوفة ووجه إلى حجر فجاءه - وكان له قبل ذلك صديقا - فقال له: قد بلغني ما كنت تفعله بالمغيرة فيحتمله منك، واني والله لا أحتملك على مثل ذلك ابدا. أرأيتني ما كنت تعرفني به من حب علي ووده فان الله قد سلخه من صدري فصيره بغضا وعداوة، وما كنت تعرفني به من بغض معاوية وعداوته فان الله قد سلخه من صدري وحوله حبا ومودة - وكذب! فما سلخ ذاك فصيره بغضا وعداوة وهذا فصيره حبا ومودة الا الشيطان - واني أخوك الذي تعهد إذا أتيتني وأنا جالس للناس فاجلس معي محل مجلسي، وإذا أتيت ولم أجلس للناس فاجلس حتى أخرج إليك ولك عندي في كل يوم حاجتان: حاجة غدوة وحاجة عشية. انك ان تستقم تسلم لك دنياك ودينك، وان تأخذ يمينا وشمالا تهلك نفسك وتشط عندي دمك. اني لا أحب التنكيل قبل التقدمة ولا آخذ بغير حجة اللهم اشهد!... فقال حجر: لن يرى الأمير مني الا ما يحب وقد نصح وأنا قابل نصيحته، ثم خرج من عنده فكان يتقيه ويهابه وكان زياد يدنيه ويكرمه ويفضله، والشيعة تختلف إلى حجر وتسمع منه. وقال الطبري وابن الأثير: لما جمعت الكوفة والبصرة لزياد أقبل حتى دخل القصر بالكوفة ثم صعد المنبر فذكر عثمان وأصحابه فقرظهم ولعن قتلته فقام حجر وفعل كما كان يفعل بالمغيرة، ورجع زياد إلى البصرة واستخلف على الكوفة عمرو بن حريث.
وقال أبو الفرج في الأغاني والطبري وابن الأثير في تاريخيهما واللفظ مقتبس من المجموع: كان زياد يشتو بالبصرة ويصيف بالكوفة يقيم في هذه ستة أشهر وفي هذه ستة أشهر، ويستخلف على البصرة سمرة بن جندب وعلى الكوفة عمرو بن حريث فقال له عمارة بن عقبة (1): ان الشيعة تختلف إلى حجر وتسمع منه ولا أراه عند خروجك الا ثائرا. فدعاه زياد فحذره ووعظه وخرج إلى البصرة، واستعمل عمرو بن حريث. فجعلت الشيعة تختلف إلى حجر ويجئ حتى يجلس في المسجد فتجتمع اليه الشيعة حتى يأخذوا ثلث المسجد أو نصفه وتطيف بهم النظارة ثم يمتلئ المسجد، ثم كثروا وكثر لغطهم وارتفعت أصواتهم بذم معاوية وشتمه ونقص زياد، وبلغ ذلك عمرو بن حريث، فصعد المنبر واجتمع اليه أشراف أهل المصر فحثهم على الطاعة والجماعة وحذرهم الخلاف فوثب اليه عنق من أصحاب حجر يكبرون ويشتمون حتى دنوا منه فحصبوه وشتموه حتى نزل ودخل القصر وأغلق عليه بابه، وكتب إلى زياد بالخبر، فلما اتاه انشده يتمثل بقول كعب بن مالك:
فلما غدوا بالعرض قال سراتنا * علام إذا لم نمنع العرض نزرع ما أنا بشئ إذا لم أمنع الكوفة من حجر وأدعه نكالا لمن بعده ويل أمك حجر لقد سقط بك العشاء على سرحان (2). وقال الطبري وابن الأثير: ان هذا الكلام قاله زياد على المنبر بالكوفة. ثم أقبل زياد حتى أتى الكوفة، فدخل القصر، ثم خرج، وعليه قباء سندس ومطرف خز أخضر وقد فرق شعره، وحجر جالس في المسجد وحوله أصحابه أكثر ما كانوا.
فصعد المنبر فخطب وحذر الناس. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن مولى زياد قال أرسلني زياد إلى حجر بن عدي - ويقال ابن الأدبر - فأبى ان يأتيه ثم أعادني الثانية فأبى أنه يأتيه، فأرسل اليه اني أحذرك أن تركب أعجاز أمور هلك من ركب صدورها. وقال ابن الأثير: وأرسل زياد إلى حجر يدعوه وهو بالمسجد. وأسند الطبري في تاريخه عن حسين بن عبد الله الهمداني قال: كنت في شرط زياد فقال زياد: لينطلق بعضكم إلى حجر فليدعه، فقال لي شداد بن الهيثم الهلالي أمير الشرطة: اذهب اليه فادعه.
فاتيته فقلت: أجب الأمير. فقال أصحابه لا يأتيه ولا كرامة!. فرجعت فأخبرته، فامر صاحب الشرطة أن يبعث معي رجالا، بعث نفرا، فاتيناه فقلنا أجب الأمير فسبونا وشتمونا. وفي الأغاني في تتمة الخبر السالف بعد قوله: وحذر الناس. ثم قال لشداد بن الهيثم الهلالي أمير الشرط: اذهب فائتني بحجر. فذهب اليه فدعاه فقال أصحابه لا يأتيه ولا كرامة، فسبوا الشرط. فرجعوا إلى زياد فأخبروه. فجمع أهل الكوفة فقال يا أشراف أهل الكوفة أو يا أهل الكوفة تشجون بيد وتأسون بأخرى أبدانكم عندي وأهواؤكم مع هذا الهجهاجة الأحمق المذبوب أنتم معي واخوانكم وأبناؤكم وعشيرتكم مع حجر؟ فقالوا: معاذ الله ان يكون لنا فيما هاهنا رأي الا طاعتك وطاعة أمير المؤمنين وكل ما ظننت ان يكون فيه رضاك فمرنا به.
قال: ليقم كل امرئ منكم إلى هذه الجماعة التي حول حجر فليدع الرجل أخاه وابنه وذا قرابته ومن يطيعه من عشيرته حتى تقيموا عنه كل من استطعتم. ففعلوا وجعلوا يقيمون عنه أصحابه حتى تفرق أكثرهم وبقي أقلهم - وهكذا يفعل الكبراء في التخذيل عن أهل الحق ارضاء للظلمة كما قال الله تعالى (وقالوا ربنا انا أطعنا ساداتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) فكما خذل أشراف الكوفة الناس عن حجر ارضاء لزياد بن سمية حتى قبض عليه وقتل خذلوا الناس عن مسلم بن عقيل ارضاء لنغله عبيد الله بن مرجانة حتى أسر وقتل فلما رأى زياد خفة أصحابه قال لصاحب شرطته شداد بن الهيثم بن شداد: اذهب فائتني بحجر فان تبعك والا فمر من معك أن ينتزعوا عمد السوق (3) ثم يشدوا بها عليهم حتى يأتوا به ويضربوا من حال دونه. فلما أتاه شداد قال له: أجب الأمير. فقال أصحاب حجر: لا والله ولا نعمة عين لا يجيبه فقال لأصحابه: علي بعمد السوق، فاشتدوا إليها فاقبلوا بها قد انتزعوها فقال عمير بن يزيد الكندي من بني