وما خلفت من أهل المصر وعن خبر العامة والخاصة، ثم قال لي انطلق فضع ثياب سفرك والبس الثياب التي لحضرك وعد، فانصرفت إلى منزل أنزلته ثم رجعت اليه فذكر حجرا فقال: أما والله لقد تلجلج في صدري منه شئ ووددت أن لم أكن قتلته، قلت: وأنا والله يا معاوية وددت أنك لم تقتله، فبكى ثم قلت: والله لوددت انك حبسته، فقال لي: وددت أني كنت فرقتهم في كور الشام فيكفينيهم الطواعين. قلت وددت ذلك. فقال لي كم أعطاك زياد؟ قلت: ألفين وكساني حلتين وحملني على راحلتين.
قال: فلك مثل ما أعطاك اخرج إلى بلدك فخرجت وما في الأرض شئ أشد علي من أمر يدنيني من زياد مخافة منه فقلت آتي اليمن ثم فكرت فقلت لا أخفى بها فأجمعت على آتي بعض عجائز الحي فأتوارى عندها إلى أن يأتي الله بالفرج قال: وقدمت الكوفة فامر بجهينة حين طلع الفجر ومؤذنهم يؤذن فقلت: لو صليت، فنزلت فصرت في المسجد حتى أقام المؤذن ولما قضينا الصلاة إذا رجل في مؤخر الصف يقول: هل علمتم ما حدث البارحة؟ قالوا: وما حدث؟ قال: مات الأمير زياد فما سررت بشئ كسروري بذلك اه.
أول ذل دخل الكوفة أسند الطبري من طريق أبي مخنف عن أبي إسحاق: أدركت الناس وهم يقولون إن أول ذل دخل الكوفة موت الحسن بن علي وقتل حجر بن عدي ودعوة زياد، وأرسله ابن الأثير في تاريخه مثله.
متى ذل الناس روى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين بسنده عن عمرو بن بشير الهمداني قلت لأبي إسحاق السبيعي متى ذل الناس؟؟ قال: حين مات الحسن عليه السلام وادعي زياد وقتل حجر بن عدي.
ما فعلته وقالته أم المؤمنين بشأن حجر في طبقات ابن سعد الكبير انه بلغ عائشة الخبر - يعني باخذ حجر وأصحابه فبعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي إلى معاوية تسأله ان يخلي سبيلهم. فقدم عبد الرحمن على معاوية برسالة عائشة وقد قتلوا فقال يا أمير المؤمنين أين عزب عنك حلم أبي سفيان فقال غيبة مثلك عني من قومي. قال: والله لا تعد لك العرب حلما قعد هذا أبدا ولا رأيا: قتلت قوما بعث بهم إليك أسارى من المسلمين قال: فما أصنع كتب إلي فيهم زياد يشدد أمرهم ويذكر أنهم سيفتقون علي فتقا لا يرقع، ثم قدم معاوية المدينة فدخل على عائشة فكان أول ما بدأته به قتل حجر في كلام طويل جرى بينهما ثم قال: فدعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا اه. وفي رواية ان عائشة قالت له أين كان حلمك عن حجر بن عدي؟ فقال: يا أم المؤمنين لم يكن يحضرني رشيد. وفي الاستيعاب روينا عن أبي سعيد المقبري قال: لما حج معاوية جاء المدينة زائرا فاستأذن على عائشة فاذنت له، فلما قعد قالت له: يا معاوية! أأمنت أن أخبئ لك من يقتلك بأخي محمد؟ فقال: بيت الأمان دخلت. قالت يا معاوية! أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه؟ قال انما قتلهم من شهد عليهم. ورواه الطبري مثله عن أبي سعيد المقبري من طريق أبي مخنف. قال وعن مسروق بن الأجدع: سمعت عائشة أم المؤمنين تقول: أما والله لو علم معاوية ان عند أهل الكوفة منعة ما اجترأ على أن يأخذ حجرا وأصحابه من بينهم حتى يقتلهم بالشام ولكن ابن آكلة الأكباد علم أنه قد ذهب الناس، أما والله ان كانوا لجمجمة العرب عزا ومنعة وفقها! لله در لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم * وبقيت في خلف كجلد الأجرب لا ينفعون ولا يرجى خيرهم * ويعاب قائلهم وان لم يشغب وأسند الطبري في تاريخه من طريق أبي مخنف وذكره ابن الأثير قال: كانت عائشة تقول: لولا أنا لم نغير شيئا الا آلت بنا الأمور إلى أشد مما كنا فيه لغيرنا قتل حجر؟ أما والله ان كان ما علمت لمسلما حجاجا معتمرا - وحجر كان في حرب الجمل، فهل كانت أم المؤمنين لو ظرفت به فاعلة به دون فعل معاوية؟ وهل كان ذنبه إليها دون ذنبه إلى معاوية؟ الله أعلم - ثم إن عبد الرحمن رسول أم المؤمنين غاية ما كان عنده في عتاب معاوية أن قال له أين عزب عنك حلم أبي سفيان وان العرب لا تعدله حلما بعد هذا ولا رأيا ولو كان نافذ البصيرة صادق اليقين لقال له: بماذا استحللت دماء حجر وأصحابه أبانهم لم يبرأوا من علي بن أبي طالب ودينه الذي يدين الله به وهل هذا يحل لك دماءهم. ولكن ذلك يدل على فساد الزمان وأهله وإذا فسد الرأس فسد الجسد، ولا أعجب من قوله لأم المؤمنين: (فدعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا) أفتراه يظن أن له حجة أو عذرا عنه ربه، وكان على أم المؤمنين ان لا تأذن له في الدخول ليكون أروع في انكار المنكر، وهي قادرة على ذلك، وهو لا يستطيع ان ينالها بسوء، وكلامها معه المتقدم عن الاستيعاب هو إلى المطايبة أقرب منه إلى التوبيخ والمعاتبة.
بكاء ابن عمر على حجر روى الحاكم في المستدرك بسنده عن نافع قال: لما كان ليالي بعث حجر إلى معاوية جعل الناس يتخبرون ويقولون ما فعل حجر، فاتى خبره ابن عمر وهو محتب في السوق، فاطلق حبوته ووثب وانطلق فجعلت أسمع نحيبه وهو مول. وفي الإصابة: روى ابن أبي الدنيا والحاكم وعمرو بن شبة من طريق ابن عون عن نافع قال: لما انطلق بحجر بن عدي كان ابن عمر يتخبر عنه، فأخبر بقتله وهو بالسوق فاطلق حبوته وولى وهو يبكي.
وفي الاستيعاب وأسد الغابة بالاسناد عن نافع: كان ابن عمر في السوق فنعي اليه حجر، فاطلق حبوته وقام وقد غلبه النحيب.
قول الحسن البصري في قتل حجر أسند الطبري عن أبي مخنف عن الصعقب بن الزهير عن الحسن ورواه ابن أبي الحديد عن الزبير بن بكار في الموفقيات، وحكاه في الدرجات الرفيعة عن الزبير بن بكار عن رجاله عن الحسن البصري وقال ابن أبي الحديد: رواه الناس ممن عني بنقل الآثار والسير عن الحسن البصري.
أقول: وذكره ابن الأثير في تاريخه عن الحسن البصري أنه قال: أربع خصال كن في معاوية لم يكن فيه منهن الا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء (بالسيف) حتى ابتزها امرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلافه بعده ابنه يزيد سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر، وقتله حجر بن عدي وأصحابه فيا ويلا له من حجر وأصحاب حجر، مرتين اه. ورواه المرزباني نحوه مع بعض التفاوت، قال المرزباني: قال الحسن البصري أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن الا واحدة كانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة