روى بسنده عن مصعب بن عبد الله الزبيري أنه قال: حجر بن عدي الكندي يكنى أبا عبد الرحمن، كان قد وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وشهد القادسية، وشهد الجمل وصفين مع علي، قتله معاوية بن أبي سفيان بمرج عذراء، وكان له ابنان عبد الله وعبد الرحمن قتلهما مصعب بن الزبير صبرا، وقتل حجر سنة 53. واسند الحاكم أيضا عن إبراهيم بن يعقوب قال: قد أدرك حجر بن عدي الجاهلية وأكل الدم فيها، ثم صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسمع منه، وشهد مع علي بن أبي طالب الجمل وصفين، وقتل في موالاة علي اه. وذكره المرزباني في النبذة المختارة من كتاب تلخيص أخبار شعراء الشيعة - كما في نسخة مخطوطة عندنا، وهذه النبذة هي التي كنا نظن أنها من كتاب معجم الشعراء للمرزباني، ثم تبين لنا أنها ليست منه، وأشرنا إليها في أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الكاتب، وأحمد بن خلاد الشروي، وإسماعيل بن محمد الحميري، وهم ثمانية وعشرون رجلا، وحجر بن عدي هو التاسع منهم - قال المرزباني: حجر بن عدي بن الأدبر (1) الكندي. وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وشهد القادسية وهو الذي فتح مرج عذرا، وشهد مع علي عليه السلام الجمل وصفين، وهو من العباد الثقات المعروفين، روى النبي صلى الله عليه وآله وسلم اه وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: حجر بن عدي الأدبر بن معاوية بن جبلة بن عدي يتصل نسبه بكهلان بن سبأ.
وحجر هذا هو الكندي من أهل الكوفة وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان مع الجيش الذي فتح الشام. وشهد صفين مع علي بن أبي طالب وقتل بعذرا من قرى دمشق ومسجد قبره بها معروف - ولا يزال معروفا إلى اليوم كما سنشرحه -.
وقال ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة حجر الكندي قتله معاوية. وقال في الطبقة الرابعة: هو جاهلي اسلامي، وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وشهد القادسية والجمل مع علي، وكان له 250 من العطاء، وقتل مصعب بن الزبير ابنيه عبيد الله وعبد الرحمن صبرا، وكانا يتشيعان. وكان حجر ثقة معروفا، ولم يرو عن علي شيئا، كذا قال (والذي في الطبقات - كما مر - انه لم يرو عن غير علي شيئا. فكان لفظة غير سقطت من الناسخ). قال: وقال البخاري في تاريخه: انه سمع عليا وعمارا، وهو معدود في الكوفيين. وقال ابن ماكولا: أكثر أصحاب الحديث لا يصححون لحجر رواية، وكان مع علي حجران: حجر الخير وهو الكندي، وحجر الشر وهو حجر بن يزيد بن سلمة بن مرة (والصواب أن حجر الشر كان مع معاوية وحجر الخير مع علي كما يأتي في أخباره بصفين).
قال: وقال أبو معشر: كان حجر عابدا، وما أحدث الا توضأ وما توضأ الا صلى، وكان يلمس فراش أمه بيده فيتهم غليظ يده فينقلب على ظهره فإذا أمن أن يكون عليه شئ نامت أمه اه. وفي مروج الذهب: في سنة 53 قتل معاوية حجر بن عدي الكندي، وهو أول من قتل صبرا في الاسلام، وقيل إن قتله وأصحابه كان في سنة 50 اه وفي ذيل المذيل:
حجر بن عدي وهو حجر الخير، وكان حجر بن عدي جاهليا اسلاميا، وقد ذكر بعض رواة العلم انه وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أخيه هانئ بن عدي، وهو الذي افتتح مرج عذراء، وكان في ألفين وخمسمائة من العطاء، وكان من أصحاب علي عليه السلام، شهد معه الجمل وصفين اه.
مجمل أحواله المستفادة مما تقدم هو من خيار الصحابة: رئيس قائد شجاع أبي النفس عابد زاهد مستجاب الدعوة عارف بالله تعالى مسلم لأمره مطيع له مجاهر بالحق مقاوم للظلم لا يبالي بالموت في سبيل ذلك باذل في سبيل الله كل ما يملك حتى نفسه التي هي عزيزة عليه فرضى ربه أعز منها عليه، خالص الولاء لأمير المؤمنين عليه السلام، بالغ في ذلك الغاية (أما كونه من خيار الصحابة) فقد شهد له بذلك كبار العلماء. (أما رياسته وشجاعته) الموجبة لاستحقاقه تولي قيادة الجيوش، فيدل عليها تولية أمير المؤمنين عليه السلام له الامارة على الجيوش في حروب الجمل وصفين وغير ذلك، وظهرت شجاعته في لحوقه الضحاك بن قيس الجبار العنيد الشجاع المطرق، من العراق إلى غربي تدمر بعدة لا تزيد عن عدته حتى قتل من أصحابه تسعة عشر رجلا في عشية واحدة وفر هاربا ليلا وتحمل العار والشنار وعير بذلك (واما إباء نفسه) فقد حمله على تمني الموت قبل الرغم والذل (وأما عبادته) فكفى فيها وصف الحاكم له في المستدرك بأنه راهب الصحابة وانه ما أحدث الا توضأ وما توضأ الا صلى فرضا أو نفلا (وأما زهده) في هذه الدنيا الفانية فلا أدل عليه من اختياره الآخرة عليها حتى استشهد في طلب الدار الآخرة. وأما معرفته بالله تعالى وتسليمه لأمره ووصوله في المعرفة والتسليم إلى درجة تقارب درجات الأنبياء والمرسلين فان أصحابه يطلبون منه، كما ستعرف، أن يدعو الله بخلاصه وخلاصهم فلا يزيد على قوله ثلاثا: (اللهم خر لنا). (وأما تسليمه لأمر الله تعالى) فلا مقام أجل وأعظم من مقامه في تسليم نفسه للقتل واختياره ذلك على البراءة من علي بن أبي طالب، وهو لو فعل ذلك دفعا عن نفسه لكان معذورا لا اثم عليه، فقد رخص الله تعالى في اظهار كلمة الكفر وشتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله (الا من أكره وقلبه مطمئن)، ولكن كان عدم البراءة والصبر على القتل أفضل وأعلى درجة، وكان حجر في ذلك قدوة لأصحابه الذين صبروا معه على القتل ولم يبرأوا، ولا مقام أعلى وارفع من طلبه تقديم قتل ابنه ان كان امر بقتله خوفا من أن يرى هول السيف على عنق أبيه فيرجع عن ولاية علي بن أبي طالب، والبلاء للنفوس كالمحك للمعادن، ويأتي أنه لما قال الخثعمي يقتل نصفنا ويسلم النصف، قال سعيد بن نمران: اللهم اجعلني ممن ينجو وأنت عني راض، وقال العنزي: اللهم اجعلني ممن تكرم بهوانهم، وكلاهما مصيب في قوله، الا ان مقام العنزي أعلا واما اطاعته الله تعالى فهي في أعلى درجات الإطاعة، فقد ثبت في مقام تزل فيه الأقدام وتذهب فيه العقول واختار القتل على البراءة ولا مقام أعلا من هذا في الإطاعة، وأين هذا من الصلاة والصيام والحج وايتاء الزكاة وبر الوالدين وغيرها من جميع الطاعات التي تهون عند تسليم النفس للقتل اختيارا للآخرة على الدنيا؟ وبره بأمه في عدم اكتفائه بوضع يده على فراشها خوفا أن يكون عليه شئ حتى يمسه بظهره لأن يديه خشنتان قد لا يحسان بما على الفراش، وان كان له مقام عال في الطاعة، لكن أين هو من الأعلا منه من تسليم النفس للقتل.
(واما مجاهرته بالحق ومقاومته الظلم ومجابهته الفراعنة في ذلك) فهو أيضا مقام تزل فيه الاقدام وتزيغ الأحلام، وقد ثبت فيه ثبوتا لا مزيد عليه غير هياب ولا وجل ورد عليهم في الملأ وعلى رؤوس الأشهاد، ولم يغره زخرف الدنيا الفانية، وقد بذل له زياد ما يجب ان كف عما هو فيه فلم يفعل. ومع ذلك فقد احتاط لنفسه في بعض المواضع ولجأ إلى المداراة فلم يخلع معاوية. وأعلن بأنه على بيعته. واخلاصه الشديد في ولاء أمير المؤمنين البالغ أقصى الغايات قد ظهر مما مر.