ويزكيه وأصحابه، فيقوم حجر بن عدي فيقول: بل إياكم قد ذم الله ولعن، ان الله عز وجل يقول (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) واني أشهد ان من تذمون أحق بالفضل ممن تطرون ومن تزكون أحق بالذم ممن تعيبون!. فيقول له المغيرة: يا حجر ويحك اكفف عن هذا واتق غضبة السلطان وسطوته فإنها كثيرا ما تقتل مثلك، ثم يكف عنه. فلم يزل كذلك حتى كان المغيرة يوما في آخر أيام امارته يخطب على المنبر فنال من علي بن أبي طالب عليه السلام ولعنه ولعن شيعته كما كان يفعل، فوثب حجر فصاح بالمغيرة صيحة أسمعت كل من في المسجد وخارجه، فقال له: انك لا تدري أيها الإنسان بمن تولع أو هرمت؟ مر لنا بأعطياتنا وأرزاقنا فإنك قد حبستها عنا ولم يكن ذلك لك، ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلك، وقد أصبحت مولعا بذم أمير المؤمنين وتقريظ المجرمين. فقام معه أكثر من ثلاثين رجلا. هكذا في الأغاني، وفي الدرجات الرفيعة: فقام معه نحو ثلاثين ألفا. وفي تاريخي الطبري وابن الأثير: أكثر من ثلثي الناس يقولون: صدق والله حجر وبر! مر لنا بأعطياتنا فانا لا ننتفع بقولك هذا ولا يجدي علينا وأكثروا في ذلك، فنزل المغيرة ودخل القصر فاستأذن عليه قومه ودخلوه ولاموه في احتماله حجرا، فقال لهم: اني قد قتلته. قالوا: وكيف ذلك؟ قال: انه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شر قتلة، انه قد اقترب أجلي وضعف عملي وما أحب ان ابتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم وسفك دمائهم فيسعدوا بذلك وأشقى ويعز معاوية في الدنيا ويذل المغيرة في الآخرة سيذكرونني لو قد جربوا العمال. ثم هلك المغيرة سنة 50، وقال الطبري عن عوانة سنة 51 فجمعت الكوفة والبصرة لزياد.
خبره مع زياد بن سمية وسبب قتله كلام المؤرخين في سبب قتله لا يخلو من بعض اختلاف مع اتفاقهم على أن السبب فيه انكاره المنكر على زياد ونحن ونورد كل ما عثرنا عليه من كلامهم في هذا الباب ومنه لعلم الاختلاف في سبب قتله فنقول: روى الطبري في تاريخه باسناده عن هشام عن محمد بن سيرين قال: خطب يوما زياد في الجمعة فأطال الخطبة وأخر الصلاة، فقال له عدي: الصلاة، فمضى في خطبته، ثم قال: الصلاة، فمضى في خطبته. فلما خشي حجر فوت الصلاة ضرب بيده إلى كف من الحصى وثار إلى الصلاة وثار الناس معه. فلما رأى ذلك زياد نزل فصلى بالناس، فلما فرع من صلاته كتب إلى معاوية في أمره، وكثر عليه، فكتب اليه معاوية أن شده في الحديد ثم احمله إلي. فلما جاء كتاب معاوية أراد قوم حجر أن يمنعوه، فقال لا، ولكن سمع وطاعة، فشد في الحديد ثم حمل إلى معاوية. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن هشام بن حسام عن ابن سيرين أن زيادا أطال الخطبة، فقال حجر بن عدي: الصلاة، فمضى في خطبته، فقال له: الصلاة، وضرب بيده إلى الحصى وضرب الناس بأيديهم إلى الحصى فنزل فصلى ثم كتب فيه إلى معاوية، فكتب معاوية أن سرح به إلي فسرحه اليه الحديث وفي الاستيعاب وأسد الغابة: لما ولى معاوية زيادا العراق وما وراءها وأظهر من الغلظة وسوء السيرة ما أظهر، خلعه حجر ولم يخلع معاوية، وتابعه جماعة من أصحاب علي وشيعته وحصبه يوما في تأخير الصلاة هو وأصحابه. فكتب فيه زياد إلى معاوية فأمره أن يبعث به اليه و بأصحابه فبعث بهم اليه اه. وفي الإصابة: روى أحمد في الزهد والحاكم في المستدرك من طريق ابن سيرين قال: أطال زياد الخطبة فقال حجر الصلاة فمضى في خطبته، فحصبه حجر والناس. فنزل زياد فكتب إلى معاوية فكتب اليه أن سرح به إلي اه. وفي الدرجات الرفيعة: لما ولى معاوية زياد بن أبيه الكوفة خطب زياد فقال: أما بعد فان غب البغي وخيم! وأيم الله لئن لم تستقيموا لأدواينكم بدوائكم ولست لشئ ان لم أحم ناحية الكوفة من حجر بن عدي وأدعه نكالا لمن بعده اه. وفي مروج الذهب: في سنة 53 قتل معاوية حجر بن عدي الكندي وهو أول من قتل صبرا في الاسلام حمله زياد من الكوفة ومعه تسعة نفر من أصحابه من أهل الكوفة وأربعة من غيرها، ولما صار إلى مرج عذراء على اثني عشر ميلا من دمشق تقدم البريد باخبارهم إلى معاوية فبعث برجل أعور. فلما أشرف على حجر و أصحابه. قال رجل منهم أن صدق الزجر فإنه سيقتل منا النصف وينجو الباقون، أما ترون الرجل المقبل مصبا بإحدى عينيه؟ فلما وصل إليهم قال لحجر: ان أمير المؤمنين أمرني بقتلك يا رأس الضلال ومعدن الكفر والطغيان والمتولي أبي تراب وقتل أصحابك الا ان تراجعوا عن كفركم وتلعنوا صاحبكم وتبرأوا منه. فقال حجر وجماعة ممن كان معه: ان الصبر على حد السيف لأيسر علينا مما تدعونا اليه، ثم القدوم على الله وعلى نبيه وعلى وصيه أحب الينا من دخول النار! وأجاب نصف من كان معه إلى البراءة من علي. وقال المرزباني في النبذة المختارة المتقدم إليها الإشارة:
كان السبب في قتله انه تكلم زياد يوما على المنبر فقال إن من حق أمير المؤمنين، أعادها مرارا. فقال حجر: كذبت ليس كذلك. فسكت زياد ساعة ثم أخذ في كلامه حتى غاب عنه ما جرى فقال: ان من حق أمير المؤمنين. فاخذ حجر كفا من حصى فحصبه وقال: كذبت. فانحدر زياد عن المنبر ودخل دار الامارة وانصرف حجر فبعث اليه زياد الخيل والرجال فقالوا: أجب الأمير. فقال: اني والله ما أنا بالذي يخاف ولا آتيه أخافه على نفسي. وقال ابن سيرين: لو مال لمال أهل الكوفة معه، غير أنه كان رجلا ورعا. وأبى زياد أن يرفع عنه الخيل والرجل حتى سلسله وأنفذه في أناس من أصحابه - وكانوا ثلاثة عشر رجلا - إلى معاوية اه. وقال محمد بن سعد كاتب الواقدي في الطبقات الكبير كان السبب في قتله أنه لما قدم زياد بن أبي سفيان (كذا يقول ابن سعد ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الولد للفراش وللعاهر الحجر) واليا على الكوفة دعا بحجر بن عدي، فقال:
تعلم أني أعرفك، وقد كنت وإياك على ما قد علمت - يعني من حب علي بن أبي طالب - وانه قد جاء غير ذلك، واني أنشدك الله أن تقطرني من دمك قطرة فاستفرغه كله! املك عليك لسانك، وليسعك منزلك وهذا سريري فهو مجلسك وحوائجك مقضية لدي. فاكفني نفسك، فاني أعرف عجلتك، فأنشدك الله يا أبا عبد الرحمن في نفسك، وإياك وهذه السفلة وهؤلاء السفهاء ان يستزلوك عن رأيك، فإنك لو هنت علي أو استخففت بحقك لم أخصك بهذا من نفسي. فقال حجر: قد فهمت ثم انصرف إلى منزله. فإذا اخوانه من الشيعة فقالوا: ما قال لك الأمير قال: قال لي كذا وكذا. قالوا: ما نصح لك. فأقام وفيه بعض الاعتراض وكانت الشيعة يختلفون اليه ويقولون انك شيخنا وأحق الناس بانكار هذا الأمر. وكان إذا جاء إلى المسجد مشوا معه. فأرسل اليه عمرو بن حريث - وهو يومئذ خليفة زياد على الكوفة وزياد بالبصرة -: أبا عبد الرحمن ما هذه الجماعة وقد أعطيت الأمير من نفسك ما قد علمت؟ فقال للرسول: تنكرون ما