فسمع قائلا يقول: (يا معشر الجن والإنس ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان). فلما قدموا مكة أخبر بذلك نادي قريش، فقالوا له: صبات والله يا أبا كلاب! ان هذا فيما يزعم محمد أنه أنزل عليه. قال: والله لقد سمعته وسمعه هؤلاء معي. فسال عن النبي ص فقيل له: هو بالمدينة. فاسلم الحجاج وحسن اسلامه. وروى مثل ذلك في أسد الغابة في الطبقات، لكن يظهر ان الأصل الذي أخذ منه المطبوع كان ناقصا، فلذلك كانت ترجمته في الطبقات ناقصة من أولها. وفي الإصابة قال ابن سعد: قدم على النبي صل الله عليه وآله وسلم وهو بخيبر فاسلم، وسكن المدينة واختط بها دارا ومسجدا. وفي تاريخ دمشق عن ابن سعد في الطبقة الثالثة أنه قال: قدم الحجاج بن علاط السلمي على النبي صل الله عليه وآله وسلم وهو بخيبر فاسلم، وسكن المدينة وبنى دارا ومسجدا، وكان صاحب غارات في الجاهلية وله حديث اه. قال:
وروى عنه أنس بن مالك. وقال عبد الصمد بن سعيد في تسمية من نزل حمص من الصحابة: نزل الحجاج بحمص بالدار المعروفة بدار الخالديين نسبة إلى خالد بن عبيد الله بن الحجاج، واستعمل معاوية ابنه عبيد الله على أرض حمص وله بها عقب، وكانت معه راية بني سليم يوم فتح مكة اه.
وفي الإصابة عن ابن السكن انه نزل حمص. وعن الشعبي ان عمر كتب إلى أهل الشام ان ابعثوا إلي رجلا من أشرافكم. وفي رواية: أنه كتب إلى كل عمل ان يبعثوا اليه رجلا من صالحيها، فبعثوا اليه من الشام الحجاج بن علاط اه. وهو والد نصر بن الحجاج صاحب القصة المشهورة، وهي أن عمر كان يعس ليلا بالمدينة، فسمع امرأة تقول:
هل من سبيل إلى خمر فاشربها * أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج إلى فتى طيب الأعراق مقتبل * سهل المحيا كريم غير ملجاج فلما أصبح أرسل إلى نصر بن حجاج فقال: بلغ من جمالك أن تتغنى بك العواتق في خدورها، فامر بقص شعره فخرج أجمل مما كان، فقال: لا تساكنني في بلد! ونفاه إلى البصرة. وقال في ذلك نصر: (أأن غنت الذلفاء) الأبيات، ولم تحضرنا الآن. ولما طال أمره جاءت أمه إلى عمر وقالت: أيسرك أن تكون مع أولادك وابني بعيد عني؟ فقال: ان أولادي لم تتغن بهم النساء. وبقي منفيا حتى قتل عمر.
حيلته على قريش في أسد الغابة بسنده: انه لما أسلم شهد خيبر، فقال: يا رسول الله ان لي بمكة مالا على التجار ومالا عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة أخت بني عبد الدار وأنا أتخوف ان علموا باسلامي أن يذهبوا بمالي، فائذن لي باللحوق بهم لعلي أتخلصه فاذن له، فقال: انه لابد لي أن أقول.
فقال: قل وأنت في حل. قال: فلما انتهيت إلى ثنية البيضاء إذا بها نفر من قريش يتحسسون الأخبار، فلما رأوني قالوا: هذا الحجاج وعنده الخبر قلت: هزم الرجل أقبح هزيمة سمعتم بها وقتل أصحابه وأخذ محمد أسيرا.
فقالوا: لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة فيقتل بين أظهرهم. ثم جئنا مكة فصاحوا بها: هذا الحجاج قد جاءكم بالخبر: إن محمدا قد أسر وانما تنتظرون ان تؤتوا به فيقتل بين أظهركم!. فقلت:
أعينوني على جمع مالي فاني أريد أن الحق بخيبر فاشتري مما أصيب من محمد قبل أن يأتيهم التجار، فجمعوا مالي أحث جمع، وقلت لصاحبتي: مالي!
مالي! لعلي ألحق فأصيب من فرص البيع فدفعت إلى مالي. فلما استفاض ذلك بمكة أتاني العباس وانا قائم في خيمة تاجر، فقام إلى جنبي منكسرا مهموما فقال: ما هذا الخبر؟ فقلت: استاخر عني حتى تلقاني خاليا، ففعل، ثم قصد إلي. وفي الطبقات: أن العباس سمع بذلك فانخزل ظهره فلم يستطع القيام، فأرسل غلاما له يقال له أبو زبيبة إلى الحجاج فقال: قل له الله أعلى وأجل من أن يكون الذي تخبره حقا! فقال الحجاج: قل له أخلني في بعض بيوتك حتى آتيك ظهرا فاتاه، فقال: ما عندك؟ فقلت الذي يسرك والله تركت ابن أخيك قد فتح الله عليه خيبر وقتل من قتل من أهلها وصارت أموالها له ولأصحابه، وتركته عروسا على ابنة ملكهم (حيي بن أخطب وقتل بني أبي الحقيق)، ولقد أسلمت وما جئت الا لأخذ مالي ثم ألحق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاكتم علي الخبر ثلاثا فاني أخشى الطلب، وانطلقت. فلما كان اليوم الثالث لبس العباس حلة وتخلق وأخذ عصاه وأقبل يخطر حتى وقف على باب الحجاج، فقال لامرأته: أين الحجاج؟ فقالت: انطلق إلى غنائم محمد وأصحابه ليشتري منها. فقال العباس ان الرجل ليس لك بزوج الا أن تتبعي دينه: انه قد اسلم وحضر الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم خرج إلى المسجد واستلم الركن، فنظر اليه رجال من قريش فقالوا: يا أبا الفضل! هذا والله التجلد على حر المصيبة. فقال: كلا والذي حلفتم به! ولكنه قد فتح خيبر وصارت له ولأصحابه ترك عروسا على ابنة حيى بن أخطب، فضرب أعناق بني أبي الحقيق البيض الجعاد الذين رأيتموهم سادة النضير من يثرب وخيبر!.
قالوا: من أخبرك هذا؟ فقال: الحجاج بن علاط، ولقد أسلم وتابع محمدا على دينه، وما جاء الا ليأخذ ماله ثم يلحق به، فقالوا، خدعنا والله اه.
- - - تشيعه ومما يظن أن الحجاج هذا من شرط كتابنا قوله يوم أحد يمدح عليا عليه السلام. أنشده المرزباني في معجم الشعراء فيما حكي عنه، وذكره ابن هشام في سيرته فقال: أنشدني أبو عبيدة للحجاج بن علاط السلمي يمدح علي بن أبي طالب ويذكر قتله طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار صاحب لواء المشركين يوم أحد. وذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق قال: لما كانت واقعة أحد كانت راية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى فقتله علي بن أبي طالب، فقال الحجاج:
لله أي مذبب عن حرمة * أعني ابن فاطمة المعم المخولا سبقت (جادت) يداك له بعاجل * طعنة تركت طليحة للجبين مجدلا وشددت شدة باسل فكشفتهم * بالجر إذ يهوون أخول أخولا وعللت سيفك بالنجيع ولم تكن * لترده حران حتى ينهلا (الجر) موضع الوقعة بأحد. وأخول أخولا: قال ابن هشام: أي متفرقين متشتتين (1).