(أقول) تقصير عمر الوعد إنجازه قبل مجئ وقته ولم يقل أبو تمام إن ذلك إبطال له.
35 - قال: ومن خطائه قوله.
فلو ذهبت سنات الدهر عنه * وألقي عن مناكبه الدثار لعدل قسمة الأرزاق فينا * ولكن دهرنا هذا حمار صدر البيت لائق بالمعنى لأن من كان فيه سنة أو نوم لا يبصر الرشد، فاما دثار المناكب فليس من هذا الباب في شئ، إذ قد يبصر الإنسان رشده وعلى مناكبه دثار وعلى ظهره أيضا حمل، ولفظة الدثار أيضا إنما تستعمل لمنع الهواء والبرد لا لمنع الفهم والرشد (اه). (أقول) يمكن أن يكنى بالقاء الدثار عن المناكب عن فراع البال الموجب لاستجماع الفهم وصفاء الذهن.
36 - قال: ومن خطائه قوله:
وأرى الأمور المشكلات تمزقت * ظلماتها عن رأيك المتوقد عن مثل نصل السيف إلا أنه * مذ سل أول سلة لم يغمد فبسطت أزهرها بوجه أزهر * وقبضت أربدها بوجه أربد فقال الأمور المشكلات وجعل لها ظلمات فكيف يقول فبسطت أزهرها والزهر هي النيرات والمشكلات لا يكون شئ منها نيرا وكأنه يريد أن الأمور المشكلة منها جيد قد أشكل الطريق إليه ومنها ردئ قد جهلت أيضا حاله فهي كلها مظلمة فيمزق ظلماتها برأيه ويكشف عن الجيد منها ويبسطه أي يستعمله ويكشف عن رديها ويقبضه أي يكفه ويطرحه، ولكن ما كان ينبغي له أن يقول بوجه أزهر وبوجه أربد إذ لا صنع هنا للوجه إنما هو الرأي والعقل والرأي على الأحوال كلها أزهر مسفر والوجه أبيض (اه) (وأقول) الردئ من الأمور من شأنه أن يربد له وجه الإنسان، فلا مانع من أن يقول أبو تمام (وقبضت أربدها بوجه أربد).
37 - قال ومن أخطائه قوله كالأرحبي المذكي سيره المرطا * والوخد واللمع والتقريب والخبب (فالأرحبي) من الإبل منسوب إلى أرحب حي من همدان تنسب إليهم النجائب (والمذكي) الذي قد انتهى في سنه وقوته (والمرطا) من عدو الخيل فوق التقريب ودون الاهذاب (والوخد) الاهتزاز في السير مثل وخد النعام (واللمع) من سير الإبل السريع (والتقريب) من عدو الخيل معروف (والخبب) دونه، وليس التقريب والمرطا من عدو الإبل بل هو من عدو الخيل لم أره في أوصاف الإبل ولا سيرها.
38 - قال ومن أخطائه قوله:
ومشهد بين حكم الذل منقطع * صاليه أو بحبال الموت متصل جليت والموت مبد حر صفحته * وقد تفرعن في أفعاله الأجل لو كان حكم الذل أشياء متفرقة لصحت فيها بين غير أن حكم الذل والذل بمنزلة واحدة وجعل قوله منقطع في موضع محجم ومتصل في موضع مقدم وليس هذا من مواضع متصل ولا منقطع وجاء به من أجل الطباق والتجنيس الذين بهما فسد شعره (وقوله) تفرعن من ألفاظ العامة وما زال الناس يعيبونه ويقولون اشتق للأجل الذي هو مطل على كل النفوس فعلا من اسم فرعون، وقد أتى الأجل على نفس فرعون وعلى نفس كل فرعون كان في الدنيا (وأقول) جاز أن يريد بحكم الذل الجنس أي بين احكام الذل. ووضع لفظة مكان لفظة إذا أردت معناها لغرض الطباق أو غيره ليس معيبا كما أن استعمال العامة لكلمة لا يوجب ان يكون استعمال غيرهم لها معيبا ومناحي الكلام متسعة، فكون الأجل أتى على نفس كل فرعون لا يمنع أن نعبر عن تسلط الأجل بقولنا تفرعن عن الأجل.
39 - قال: ومن أخطائه قوله:
سعى فاستنزل الشرف اقتسارا * ولولا السعي لم تكن المساعي قوله (سعى فاستنزل الشرف اقتسارا) ليس بالمعنى الجيد، بل هو عندي هجاء مصرح لأنه إذا استنزل الشرف فقد صار غير شريف (اه) ملخصه. (وأقول) ليس معنى استنزال الشرف حطه عن رتبته بل معنى استنزاله أخذه من مكان عال، فان من شأن الشرف أن يوصف بعلو المكان، فهو قد أخذه من مكانه العالي بجده واجتهاده وبسعيه ولم يعطه إياه أحد.
40 - قال: ومن أخطائه قوله:
يقظ وهو أكثر الناس إغضاءا * على نائل له مسروق قوله (على نائل له مسروق) خطأ لأن نائله وهو ما ينيله كيف يكون مسروقا (اه) ملخصه وباب المجاز واسع يسع أن يسمى المسروق منه نائلا باعتبار إغضائه عنه.
41 - قال: ومن أخطائه قوله:
لو يعلم العافون كم لك في الندى * من لذة وقريحة لم تحمد وهذا عندي غلط لأن الوصف الذي وصفه به داعية أن يتناهى الحامد له في الحمد.
42 - قال: ومن أخطائه قوله:
تناول الفوت أيدي الموت قادرة * إذا تناول سيفا منهم بطل قوله (تناول الفوت أيدي الموت) عويص من عويصاته وإنما سمع قول سعد بن مالك:
هيهات حال الموت دو * ن الفوت وانتضي السلاح والفوت هو النجاة أي حال الموت دون النجاة، وهذا صحيح مستقيم فقال هو تناول الفوت أي الموت وهذا محال لأن النجاة لا تتناولها يد الموت ولا تصل إليها، وإلا لم تكن نجاة. وهذا من تعقده الذي يخرجه إلى الخطأ وإنما قصد إلى ازدواج الكلام في الفوت والموت ولم يتأمل المعنى (اه) (وأقول) هذا عجيب من الآمدي فان تناول أيدي الموت للفوت هو حيلولتها دونه الذي هو في بيت سعد بن مالك، فالذي لم يتأمل المعنى هو الآمدي لا أبو تمام.
43 - قال: ومن أخطائه قوله:
واكتست ضمر الجياد المذاكي * من لباس الهيجا دما وحميما في مكر تلوكها الحرب فيه * وهي مقورة تلوك الشكيما (مقورة) ضامرة. قال الآمدي: فهذا معنى قبيح جدا أن جعل الحرب تلوك الخيل من أجل قوله تلوك الشكيما، وتلوك الشكيم أيضا ها هنا خطأ لأن الخيل لا تلوك الشكيم في المكر وإنما تلوكه واقفة، وإنما طرح