فهذا التركيب في هذه الأبيات يمت إلى تراكيب العرب بصلة ظاهرة، ويقول فيها:
هم الناس ساد الذم والحرب بينهم * وحمران يغشاهم الحمد والأجر في القاموس حمر الرجل كفرح تحرق غضبا (اه) وكأن حمر بالتشديد تضعيف حمر بالتخفيف للمبالغة، وهو من الألفاظ الغريبة، وكان يمكنه ان يقول بدلها و (جانب)، وبعده.
صديقك منهم مضمر عنجهية * فقائده تيه وسائقه كبر فالعنجهية وهي الكبر من الألفاظ المستثقلة ثم قال:
سئمتم عبور الضحل خوضا فأية * تعدونها لو قد طغى بكم البحر والضحل لفظ متنافر، ثم قال في أمير المؤمنين عليه السلام.
هو السيف سيف الله في كل مشهد * وسيف الرسول لا ددان ولا دثر فددان من الألفاظ الغريبة المستثقلة!، وكرر لفظة ددان في شعره فقال.
وصارم الشفرتين عضبا * غير ددان ولا أنيث ولكنه ما كان يرى هذه الألفاظ غريبة ولا وحشية لالفه ألفاظ العرب. ثم قال يذكر ما جرى على أهل البيت عليهم السلام من الظلم ويشبه حال الأمة معهم بناقة تركت ولدها في روضة ثم غيبه عنها مسيل ماء فجنت لفقده ثم أبصرته خارجا من الروضة فرغا لما رآها فأسرعت إليه فلما أراد رضاعها ركلته برجلها ودفعته ورمت به فخر صريعا، واستمرت بقسوتها عليه تذهب إلى هنا وهنا وتستقرئ أمكنة العشب، فقال وكل أبياته هذه لا تعدو طريقة العرب الأول:
كأم الحوار استودعته خميلة * ترأد فيها النبت وازدوج الزهر فهذا البيت في تركيبه البديع وألفاظه الجميلة العذبة كأم الحوار والخميلة وترأد النبت وازدواج الزهر عربي قح قليل الشبه بشعر المولدين:
فغيبه عنها قري بوهدة * أحل بها أعباء أحماله القطر القري كغني مسيل الماء وهو من الألفاظ العربية القحة التي لا تخلو من غرابة. وما أجمل قوله (أحل به أعباء أحماله القطر).
فجنت جنونا واستعاضت من الربى * فنونا وما تغني المزلة والذكر وهذا البيت كغيره في تركيبه كأنه من تراكيب عرب الجاهلية كلا وكلا ثم استحالته فاصلا * من الروض تزهاه حقوف نقى عفر (كلا وكلا) أي مدة قليلة (واستحالته) نظرته (وفاصلا) خارجا (وتزهاه) تجعله يزهو في مشيه، وهذا البيت لا يعدو شعر عرب الجاهلية.
رغا إذ رآها فاستجابت مشيحة * عليه ومنها الركل والزبن والطحر فالركل والزبن والطحر ألفاظ حوشية غير عذبة لا سيما مجتمعة وفيها ركل وزبن وطحر للقلب كما في معانيها للجسم ولا يكاد يستعمل مثلها المولدون، وإن استعملوها لم تكن محمودة منهم، لكن العرب الأول لا يتحاشون استعمالها.
فخر صريعا واستمرت بقسوة * ترود وتقرو الأمكنات التي تقرو ويقول من قصيدة يمدح بها خالد بن يزيد الشيباني:
نعم لواء الخميس أبت به * يوم خميس عالي الضحى أفده (1) خلت عقابا بيضاء في حجرا * ت الملك طارت منه وفي سدده (2) فشاغب الجو وهو مسكنه * وقاتل الريح وهو من مدده ومر تهفو ذؤابتاه على * أسمر متن يوم الوغى جسده (3) تخفق أفياؤه على ملك * يرى طراد الأبطال من طرده (4) ويقول في مطلع قصيدة:
قدك اتئب أربيت في الغلواء * كم تعذلون وأنتم سجرائي قدك: حسبك. اتئب: استح. وأربيت: زدت. والغلواء من الغلو وسجرائي أصدقائي، فهذا البيت بأسلوبه وألفاظه ووحشية أقرب إلى شعر العرب. ويقول.
نوار في صواحبها نوار * كما فاجاك سرب أو صوار ويقول:
هل آثر من ديارهم دعس * حيث تلاقى الأجزاع والوعس إلى آخر القصيدة. وقوله.
تصدت وحبل البين مستحصد شزر * وقد سهل التوديع ما أوعر الهجر ومن استعماله لألفاظ العرب الغريبة التي لم تكن عنده غريبة استعماله الوسج الرواتك في قوله:
ما على الوسج الرواتك من عتب * إذا ما أتت أبا أيوب وقوله في هذه القصيدة:
سدك الكف بالندى عائر السمع * إلى حيث دعوة المكروب ومنه قوله.
قد قلت لما اطلخم الأمر وانبعثت * عشواء تالية غبسا دهاريسا ومن هذه القصيدة:
أهيس أليس لجاء إلى همم * تغرق الأسد في آذيها الليسا الواردين حياض الموت متأقة * ثباثبا وكراديسا كراديسا نموك قنعاس دهر حين يحزنه * أمر يشاكه آباء قناعيسا وقدموا منك إن هم خاطبوا ذربا * أو رادسوا حضرمي الفخر رديسا (اطلخم) اسود (غبسا) سودا (دهاريسا) دواهي (أهيس) جاد (أليس) شجاع بطل غاية في الشجاعة وهو الذي لا يكاد يبرح موضعه في الحرب حتى يظفر أو يهلك (الآذي) الموج (القنعاس) الرجل الشديد المنيع (يشاكه) يشابه (المرادسة) المراماة (والليس) جمع أليس. وقوله وإن بجرية نابت جأرت لها * إلى ذرى جلدي فاستوهل الجلد قال الآمدي فبجرية وجأرت وإن كانت معروفة مستعملة فإنها إذا اجتمعت استقبحت وثقلت، وكذلك قوله (هن البجاري يا بجير) البجاري جمع بجرية وهي الداهية. وقوله.
غرض الحوادث ما تزال ملمة * ترميه عن شزن بأم حبوكر بنداك يوسى كل جرح يعتلى * رأب الأساة بدردبيس قنطر أم حبوكر والدردبيس والقنطر من أسماء الدواهي. وقوله