أحد عن الحمد لجللت عنه كان أعذر، كما قال البحتري:
لو جل خلق قط عن أكرومة * تبنى جللت عن الندى والباس 22 - قال الآمدي: ومن خطائه قوله.
أجدر بجمرة لوعة إطفاؤها * بالدمع أن تزداد طول وقود وهذا خلاف ما عليه العرب لأن من شأن الدمع أن يبرد الغليل، وهو في أشعارهم كثير، واتبعهم أبو تمام في غير هذا البيت مكررا ذلك في شعره كقوله:
نثرت فريد مدامع لم تنظم * والدمع يحمل بعض ثقل المغرم وقال: واقعا بالخدود والبرد منه * واقع بالقلوب والأكباد وقال: فلعل عبرة ساعة أذريتها * تشفيك من إرباب وجد محول وجعل الآمدي من شواهد ذلك قول أبي تمام.
فلعل عينك أن تجود بمائها * والدمع منه خاذل ومواسي والصواب انه خارج عن معنى ما استشهد به إذ مواساة الدمع لا ربط لها بتخفيف الحزن (والحق) إن أبا تمام لا نقد عليه فيما ذكره لأن أساليب الكلام تختلف فمرة يجعل الدمع مخففا للوجد ومرة يقصد إلى زيادة المبالغة فيقال إن جمرة الوجد إذا أريد إطفاؤها بالدمع تزداد توقدا.
23 - قال: ومن خطائه قوله رضيت وهل أرضى إذا كان مسخطي * من الأمر ما فيه رضى من له الأمر فقوله (وهل أرضى) إنكار ونفي للرضا وهذا خطأ فاحش، فإنه إذا كان مسخطه ما فيه رضى من له الأمر - وهو الله فعليه - أن يرضى، فكان الواجب أن يقول (وكيف لا أرضى) (وأقول) ليس هذا مما يخفى على أبي تمام ولا الأقل منه فيوشك أن يكون في رواية البيت خطأ وصوابه (بلى أرضى) أو نحوه.
24 - قال: ومن خطائه قوله في البكاء على الدار:
دار أجل الهوى عن أن ألم بها * في الركب إلا وعيني من منائحها قال: وهذا لفظ محال عن وجهه لأن (إلا) هنا تحقيق وإيجاب، فكيف يجوز أن تكون عينه من منائحها إذا لم يلم بها (اه).
والصواب أن الخطأ من الآمدي لا من أبي تمام، فان قوله (أجل الهوى عن أن ألم) بها في معنى النفي وهو لم ينف الالمام بها مطلقا بل الالمام الذي لا تكون عينه فيه من منائحها، فحاصل المعنى أنه كلما ألم بها كانت عينه من منائحها، وهذا لا غبار عليه.
25 - قال. ومن أخطائه في وصف الربع وساكنه قوله.
قد كنت معهودا بأحسن ساكن * ثاو وأحسن دمنة ورسوم والربع لا يكون رسما إلا إذا فارقه ساكنوه لأن الرسم هو الأثر الباقي بعد سكانه، والصواب قول البحتري:
يا مغاني الأحباب صرت رسوما * وغدا الدهر فيك عندي ملوما 26 - قال: ومن خطائه قوله.
طلل الجميع لقد عفوت حميدا * وكفى على رزئي بذاك شهيدا أراد كفى بمضيه حميدا شاهدا على رزئي، وكان الوجه أن يقول:
وكفى برزئي شاهدا على مضيه حميدا لأن حمد أمر الطلل قد مضى وليس بشاهد ولا معلوم ورزؤه بما ظهر من تفجعه شاهد معلوم، فلأن يكون الحاضر شاهدا على الغائب أولى من أن يكون الغائب شاهدا على الحاضر (اه) (وأقول) قوله (كفى) راجع إلى قوله (عفوت) أي وكفى بعفوك شهيدا على رزئي، والعفو حاضر مشاهد، والاعتراض ساقط.
27 - قال: ومن خطائه قوله في الفراق.
دعا شوقه يا ناصر الشوق دعوة * فلباه طل الدمع يجري ووابله وتلبية الدمع مضرة للمشتاق على الشوق لأنه يخففه ويطفئ حرارته فهو حرب للشوق لا ناصر له كما قال البحتري.
وبكاء الديار مما يرد الشوق * ذكرا والحب نضوا ضئيلا وقد تبعه البحتري في هذا الخطأ فقال يذكر الديار.
نصرت لها الشوق اللجوج بأدمع * تلاحقن في أعقاب وصل تصرما (أقول) الصواب أنه لا خطأ منه ولا من البحتري فصاحب الشوق إذا أراد البكاء فأجابه الدمع صح أن يقال إن دمعه نصر الشوق أي أجابه ولم يستعص عليه، ولا يلزم أن يزيده ويقويه فهو كقول أبي تمام المتقدم.
فلعل عينك أن تجود بمائها * والدمع منه خاذل ومواسي 28 - قال الآمدي: ومن خطائه في معنى الشوق قوله:
يكفيكه شوق يطيل ظماءه * فإذا سقاه سقاه سم الأسود فقوله (شوق يطيل ظماءه) غلط لأن الشوق هو الظمأ نفسه، ألا ترى أنك تقول أنا عطشان إلى رؤيتك وظمآن ومشتاق بمعنى واحد فكيف يكون هو المطيل للظمأ والساقي والمحبوب هو الذي يظمئ ويسقي أو البعد أو الهجر (وأقول) الظمأ العطش وهو غير الشوق لغة وعرفا، واستعمال أنا ظمآن إلى رؤيتك وأنا مشتاق إليها لا يجعلهما واحدا، فان ظمآن في هذا الاستعمال مجاز ونسبة السقي إلى الشوق مجاز.
29 - قال: ومن خطائه قوله.
أمر التجلد بالتلدد حرقة * أمرت جمود دموعه بسجوم جعل الحرقة آمرة التجلد بالتلدد والحرقة التي يكون معها التلدد تسقط التجلد البتة وتذهب به فاما أن تجعله متلددا، فهذا من أحق المعاني وأولاها بالاستحالة، وأيضا فأي لفظ أسخف من أن يجعل الحرقة آمرة، وإنما العادة في مثل هذا أن تكون باعثة أو جالبة (اه).. (وأقول) التلدد التحير وقوله إن الحرقة التي يكون معها التلدد تسقط التجلد ساقط، فان معنى أمرها التجلد بالتلدد أن تجعل المتجلد متلددا متحيرا فسواء أسقط التجلد أم لا فالمعنى صحيح لا استحالة فيه وإذا كانت الحرقة باعثة و جالبة للتلدد وسجوم الدمع فما أجدرها بأن تجعل آمرة به، فجعل ذلك سخافة نوع من السخافة.
30 - قال: ومن خطائه قوله.
من حرقة أطلقتها فرقة أسرت * قلبا ومن غزل في نحره عذل (1) قال الآمدي وإنما قال أطلقتها من أجل قوله أسرت ليطابق بين