جعلها صفراء لأنها ذكر وهي اسرع من الأنثى وأخف. قال ابن قيس الرقيات أو أبو العباس الأعمى:
بحلوم إذا الحلوم استخفت * ووجوه مثل الدنانير ملس وقال قيس بن عمير الكناني:
كمثل الحصى بكر ولكن خيانة * وغدر وأحلام خفاف عوازب وأيضا فان البرد لا يوصف بالرقة وإنما يوصف بالمتانة والصفاقة.
وإني لأعجب من اتباع البحتري إياه في البرد، مع شدة تجنبه الأشياء المنكرة عليه حيث يقول:
وليال كسين من رقة الصيف * فخيلن أنهن برود ولكن الجيد في وصف الحلم قوله متبعا للمذهب الصحيح المعروف:
خفت إلى السؤدد المجفو نهضته * ولو يوازن رضوى حلمه رجحا وقوله:
فلو وزنت أركان رضوى ويذبل * وقيس بها في الحلم خف ثقيلها قال وأبو تمام لا يجهل هذا من أمر الحلم ويعلم أن الشعراء إليه يقصدون وإياه يعتمدون، ولعله قد أورد مثله، ولكنه يريد أن يبتدع فيقع في الخطأ (اه). (أقول) لعل الذي قاد أبا تمام إلى ذكر البرد إرادة التجنيس، فإنه ذكر في قافية البيت الذي قبله لفظة البرد بفتح الباء فقال:
لدى ملك من أيكة الجود لم يزل * على كبد المعروف من فعله برد والذي في الديوان (رقيق حواشي الحلم لو أن خلقه) ويمكن أن يقال إن الحلم هنا ليس بمعنى العقل فان الحلم أصل معناه التأني والتدبر وما إلى ذلك، وإنما استعمل في العقل من باب استعمال اسم المسبب في السبب، وحينئذ فيمكن وصفه برقة الحواشي باعتبار ما يصدر عنه من العطف والشفقة، وباب المجاز يتسع لأشياء كثيرة، ويرشد إليه ما في الديوان من ذكر خلقه بدل حلمه، ووصف البرد بالرقة غير مستنكر، فان من صفات الثياب الممدوحة الرقة.
10 - قال الآمدي وأنكر أبو العباس على أبي تمام قوله:
من الهيف لو أن الخلاخل صيرت * لها وشحا جالت عليها الخلاخل قال ولم يذكر موضع العيب فيه ولا أراه علمه. والوشاح للمرأة في موضع حمائل السيف، ومن شأن الخلاخيل ان توصف بأنها تضيق في الأسواق، فإذا جعل خلاخيلها وشحا تجول عليها فقد أخطأ الوصف، لأنه إذا كان الخلخال وهو حلقة مستديرة وشاحا للمرأة فقد مسخت إلى غاية الصغر، ولو قال حقبا أو نطقا لصح المعنى، لأن الحقاب ما تديره المرأة على خصرها، وكذلك النطاق والمراد بالهيف دقة الخصر، فإذا بولغ فيه قيل إن خصرها لو وضع في خلخالها لجال فيه كما قال منصور النميري:
فلو قست يوما حجلها بحقابها * لكانا سواء لا بل الحجل أوسع وكما قال أبو العتاهية:
نغج روادفهن يلبسن * الخواتم في الخصور قال الآمدي: فهذا ما أنكره أبو العباس مما أبو تمام فيه غالط وهو ثلاثة أبيات (اه).
11 - قال الآمدي ومما أخطأ فيه أبو تمام قوله.
مها الوحش إلا أن هاتا أوانس * قنا الخط إلا أن تلك ذوابل وإنما قيل للقنا ذوابل للينها وتثنيها، فنفى ذلك عن قدود النساء وهو من أكمل صفاتها. 12 - قال الآمدي: ومما أخطأ فيه الطائي أقبح خطأ قوله.
قسم الزمان ربوعها بين الصبا * وقبولها ودبورها أثلاثا والصبا هي القبول باتفاق أهل اللغة، والجيد قول البحتري متروكة للريح بين شمالها * وجنوبها ودبورها وقبولها 13 - قال الآمدي: ومن خطائه قوله وصنيعة لك ثيب أهديتها * وهي الكعاب لعائذ بك مصرم حلت محل البكر من معطى وقد * زفت من المعطي زفاف الأيم أي هذه الصنيعة ثيب عندك أي قد اصطنعت مثلها مرارا وبكر عند هذا العائذ بك لأنها أول ما اصطنعته عنده أو أكبر ما اصطنعته عنده، والمصرم القليل المال، فأراد بالكعاب البكر والكعاب التي كعب ثديها، وهي تكون بكرا وتكون ثيبا، فليست ضدا للثيب، فهذا الخطأ في البيت الأول، وأجاب عنه الآمدي بأن مقابلة الكعاب بالثيب صحيح، وقد جاء مثله في أشعار العرب قال قدامة بن ضرار الحنفي:
غداة خطبنا البيض بالبيض عنوة * وأبن إلينا ثيبات وكعبا أراد بالكعب الأبكار، وقال جرير يهجو امرأة:
وقد حملت ثمانية وتمت * لتاسعة وتحسبها كعابا فأقام الكعاب مقام البكر، وإنما فعلوا ذلك وإن كانت الكاعب قد تكون بكرا وتكون ثيبا لأن الغالب في الكواعب البكارة. وأما الخطأ في البيت الثاني فمقابلة الأيم بالبكر، والأيم التي لا زوج لها بكرا أو ثيبا.
قال وقد ذكر أبو تمام معنى هذين البيتين في موضع آخر فقال:
ذكرت صنيعة لك ألبستني * أثيث المال والنعم الرغاب وليست بالعوان العنس عندي * ولا هي منك بالبكر الكعاب (العوان) بين المسنة والصغيرة السن، وهي التي قد عرفت الأمور وجرت عليها التجربة، ومنه قيل حرب عوان، وهي التي قوتل فيها مرة بعد مرة، استعير لها اسم المرأة في هذه الحال كما استعير لها اسم الفتاة في قوله (الحرب أعظم ما تكون فتية) وأراد أبو تمام بهذين البيتين ما أراده بالبيتين السابقين، إلا أنه جعل العنس هنا في موضع العانس فغلط، والعانس هي التي حبسها أهلها عن التزويج حتى تجاوزت حد الفتاة. ولا يجوز ان يريد بالعنس المصدر ليكون من إقامة المصدر مقام الصفة، لأن مصدر عنس عنوس وعناس ولم يسمع العنس.
14 - قال الآمدي: ومن خطائه قوله:
الود للقربى ولكن عرفه * للأبعد الأوطان دون الأقرب فجعل وده لذوي قرابته ومنعهم عرفه، وجعله في الأبعدين مع أن الأقربين أولى به، فهو بأن يكون ذما أولى من أن يكون مدحا.