إذا مقرم منا ذرا (1) حد نابه * تخمط فينا ناب آخر مقرم وهذا كما قال أبو الطمحان القيني وإني من القوم الذين هم هم * إذا مات منهم سيد قام صاحبه كواكب دجن كلما غاب كوكب * بدا كوكب تأوي إليه كواكبه وقال آخر خلافة أهل الأرض فينا وراثة * إذا مات منا سيد قام سيد وقال طفيل الغنوي كواكب دجن كلما انقض كوكب * بدا وانجلت عنه الدجنة كوكب وقال آخر إذا سيد منا مضى لسبيله * أقام عمود المجد آخر سيد فهذا الذي أراد الخريمي. وفي هذا كفاية لمن خلع ثوب العصبية وأنصف من نفسه ونظر بعين عقله وتأمل ما قلت بفكره فان القلب بذكره وتخيله انظر من العين لما فقدته ورأته (اه).
5 - قال الصولي: وشبيه بهذا في الشناعة عيبهم قوله لو خر سيف من العيوق منصلتا * ما كان إلا على هاماتهم يقع وإنما أراد أبو تمام أن كل حرب عليهم ومعهم، وفي مثل ذلك يقول رجل من بني أبي بكر بن كلاب أنشدناه محمد بن يزيد النحوي وكل حي من الأحياء يطلبنا * وكل حي له في قتلنا أرب والقتل ميتتنا والصبر شيمتنا * ولا نراع إذا ما احمرت الشهب وأراد مع ذلك أنهم لا يموتون على الفرش - والعرب تعير بذلك - وأن السيوف تقع في وجوههم ورؤوسهم لاقبالهم ولا تقع في أقفيتهم وظهورهم لأنهم لا ينهزمون، كما قال كعب بن زهير:
لا يقع الطعن إلا في نحورهم * ومالهم عن حياض الموت تهليل ثم ذكر شواهد كثيرة للفخر بالقتل في الحرب والتعيير بالموت على الفراش.
6 - وقال الصولي حدثني أحمد بن سعيد حدثنا محمد بن عمرو قال ابن الخثعم الشاعر جن أبو تمام في قوله:
تروح علينا كل يوم وتغتدي * خطوب يكاد الدهر منهن يصرع أيصرع الدهر؟ فقلت له هذا بشار يقول:
وما كنت إلا كالزمان إذا صحا * صحوت وإن مات الزمان أموت فسكت، فقلت له وأبوك يقول:
ولين لي دهري باتباع جوده * فكدت للين الدهر أن أعقد الدهرا الدهر يعقد؟ فسكت.
7 - حكى الخطيب التبريزي في شرح ديوان أبي تمام عن الصولي أنه قال: عابوا عليه قوله (كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر) فقالوا لا يكون كذا إلا في تعظيم السرور. وما علمت أن شيئا في تعظيم الفرح إلا قيل في تعظيم الحزن مثله، وقد جرت البشارة في كلام العرب بما يسوء قال الله تعالى فبشرهم بعذاب أليم (اه).
8 - مما أنكره أبو العباس أحمد بن عبيد الله على أبي تمام برواية الآمدي قوله:
هاديه جذع من الأراك وما * تحت الصلا منه صخرة جلس قال شبه عنق الفرس بالجذع ثم قال جذع من الأراك، ومن رأى عيدان الأراك تكون جذوعا وتشبه أعناق الخيل. وقال الآمدي أخطأ في إنكاره تشبيه عنق الفرس بالجذع لأن ذلك في أشعار العرب أكثر من أن يحصى، وأصاب في إنكاره أن تكون عيدان الأراك جذوعا وإن عظمت شجرته حتى تصير دوحة، لأن قائم الشجرة وعيدانها لا تغلظ لتشبه بالجذوع.
9 - قال الآمدي: وأنكر أبو العباس قول أبي تمام:
رقيق حواشي الحلم لو أن حلمه * بكفيك ما ماريت في أنه برد وقال: هذا الذي أضحك الناس منذ سمعوه إلى هذا الوقت. ولم يزد على هذا شيئا، والخطأ في هذا ظاهر لأني ما علمت أحدا من شعراء الجاهلية والاسلام وصف الحلم بالرقة، وإنما يوصف بالعظم والرجحان والثقل والرزانة، قال النابغة:
وأعظم أحلاما وأكبر سيدا * وأفضل مشفوعا إليه وشافعا وقال الأخطل:
شمس العداوة حتى يستقاد لهم * وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا وقال أبو ذؤيب:
وصبر على حدث النائبات * وحلم رزين وقلب ذكي وقال عدي بن الرقاع:
في شدة العقد والحلم الرزين وفي * القول الثبيت إذا ما استنصت الكلم وقال أيضا:
أبت لكم مواطن طيبات * وأحلام لكم تزن الجبالا وقال أيضا:
قرم له مع دينه وتمامه * حلم إذا وزن الحلوم ثقيل وقال الفرزدق:
أحلامنا تزن الجبال رزانة * وتخالنا جنا إذا ما نجهل وقال أيضا:
إنا لتوزن الجبال حلومنا * ويزيد جاهلنا على الجهال وقال الآخر:
وعظيم الحلم لو وازنته * بثبير أو برضوى لرجح كما أنهم إذا ذموا الحلم وصفوه بالخفة، قال عياض بن كثير الضبي:
قبائله سود خفاف حلومهم * ذوو نيرب في الحي يغدو ويطرق وقال علقمة بن هبيرة الأسدي:
كأن جرادة صفراء طارت * بأحلام الغواضر أجمعينا