15 - قال الآمدي: ومن خطائه قوله:
يدي لمن شاء رهن لم يذق جرعا * من راحتيك درى ما الصاب والعسل فهذا البيت مبني على فساد لكثرة ما فيه من الحذف، وتقديره يدي رهن لمن شاء إن كان لم يذق جرعا من راحتيك درى ما الصاب والعسل.
16 - قال ومن خطائه قوله:
شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي * ومحت كما محت وشائع من برد محت بليت. جعل الوشائع حواشي البرد أو شيئا منها، وليس الأمر كذلك، إنما الوشائع غزل من اللحمة ملفوف يجره الناسج بين طاقات السدى عند النساجة.
17 - قال: ومن خطائه قوله لو كان في عاجل من آجل بدل * لكان في وعده من رفده بدل ولم لا يكون في عاجل من آجل بدل والناس كلهم على اختيار العاجل وإيثاره على الآجل، وكان وجه الكلام الذي يصح به المعنى ويستقيم أن يقول: لو كان في عاجل قول بدل من آجل فعل لكان في وعده من رفده بدل.
18 - قال: ومن خطائه قوله بيوم كطول الدهر في عرض مثله * ووجدي من هذا وهذاك أطول فجعل للدهر وهو الزمان عرضا، وذلك محض المحال، على أنه ما كانت اليه حاجة لأنه استوفى المعنى بقوله كطول الدهر فأتى على العرض في المبالغة. فان قيل فلم لا يكون سعة ومجازا قيل هذه الألفاظ صنعتها صنعة الحقيقة، وهي بعيدة من المجاز لأن المجاز في هذا له صورة معروفة وألفاظ مألوفة معتادة، وهي قول الناس عشنا في خفض ودعة زمانا طويلا عريضا، وما زلنا في رخاء ونعمة الزمان الطويل العريض، وإنما أرادوا تمامه وكماله وسعته نحو قولهم ثوب طويل عريض أي تام واسع، وأرض طويلة عريضة أي تامة في الطول والسعة، وكذلك إذا وصفوا ما ليس له طول ولا عرض على الحقيقة فإنما يريدون التمام والكمال كقول الراعي:
إذا ابتدر الناس المكارم بذهم * عراضة أخلاق ابن ليلى وطولها وأكثر ما يراد بالعرض إذا جاء مفردا عن الطول السعة نحو قولهم فلان في نعمة عريضة، وله جاه عريض، وقوله تعالى (عرضها السماوات والأرض) أي سعتها. فذو دعاء عريض، وقال تميم بن أبي مقبل.
يقطعن عرض الأرض غير لواغب * وكان بحريها لهن صحاري أي سعة الأرض، وقال الآخر.
سأجعل عرض الأرض بيني وبينهم * وأجعل بيتي في غني وأعصر فهذا إذا جرى على هذا اللفظ المستعمل حسن، وإذا عدل به إلى ما يشبه الحقائق أو يقاربها كان خطأ، فإذا قلت مضى لنا في الخفض والدعة دهر طويل طوله كعرضه لم يجز كقول الطائي (بيوم كطول الدهر في عرض مثله) لأن هذا الترتيب كان وصفا لأشياء مجسمة فكان هذا اللفظ، كأنه يذرع ثوبا أو يمسح أرضا أو يصف بالقصر رجلا، كما قال تميم بن أبي مقبل:
وكل يمان طوله مثل عرضه * فليس له أصل ولا طرفان والزمان يوصف بالطول فيقال: طال ليلي وطال نهاري، فما كانت حاجة إلى العرض كما يوصف الوجد بذلك لا بالعرض، ألا تراه قال (ووجدي من هذا وهذاك أطول).
19 - وقال أبو تمام ورحب صدر لو أن الأرض واسعة * كوسعه لم يضق عن أهله بلد قال الآمدي: وهذا أيضا غلط لأن كل بلد يضيق بأهله ليس ضيقه من جهة ضيق الأرض. ويمكن الجواب بأنه أراد بالأرض كل بقعة وكل بلد منها، والشعر لا يبتني على تدقيق الفلسفة.
20 - قال الآمدي: ومن خطائه قوله.
لو لم تصادف شياة البهم أكثر ما * في الخيل لم تحمد الأوضاح والغرر قال وهذا فساد في ترتيب البيت لأنه ليس إذا وجدت شياة البهم - وهي صغار الغنم - أكثر ما في الخيل، ووجدت شياة الخيل أكثر ما في البهم كان ذلك موجبا لحمد الأوضاح والغرر، وإنما كان يصح نظم الكلام لو لم توجد الأوضاح والغرر في البهم حتى تكون مخصوصة بالخيل فيقول لو لم تعدم الأوضاح والغرر في البهم لما حمدت في الخيل، فأما أن توجد شياة البهم في الخيل كثيرا أو شياة الخيل في البهم دائما فليس هذا بموجب حمد الأوضاح والغرر في الخيل لأن الأوضاح والغرر موجودة في الغنم (اه).
(وأقول) هذا البيت أخطأ الآمدي في فهمه فأوجب ذلك اعتراضه على أبي تمام (فالشياة) جمع شية وهي كل لون يخالف معظم لون الفرس أو غيره، قال الله تعالى (مسلمة لا شية فيها): أي ليس في جلدها لون يخالف باقي لونه (والبهم) جمع بهيم كرغف ورغيف (والأوضاح) جمع وضح وهو البياض يقال بالفرس وضح إذا كان به شية كالغرة والتحجيل (والغرر) جمع غرة وهي بياض في الجبهة (ومعنى البيت) ان الشياة التي تخالف معظم لون الفرس كالغرر والحجول لو لم تكن مع اللون الذي هو أكثر ما في الخيل الدهم لم تكن محمودة، فالأوضاح والغرر إنما حمدت لقلتها في جنب بقية اللون ولو كانت كثيرة في الفرس كالذي أكثر لونه أو كله ابيض لم يكن ذلك البياض محمودا كما تحمد الغرر والحجول، والآمدي حيث فسر البهم بصغار الغنم وقع في الخطأ واعترض بما اعترض على ما لم يقصد أبو تمام شيئا منه ولا خطر له ببال، وهذا البيت كالحجة للأبيات التي قبله وهي قوله:
إن الكرام كثير في البلاد وإن * قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا لا يدهمنك من دهمائهم عدد * فان كلهم أو جلهم بقر فكلما أمست الأخطار بينهم * هلكى تبين من أمسى له خطر لو لم تصادف شياة البهم (البيت) فهو يقول الأوضاح والغرر إنما حمدت لقلتها كما أن الكرام إنما يحمدون لقلتهم في جنب غيرهم - كما فصلناه في الجزء الأول من معادن الجواهر.
21 - قال الآمدي: ومن خطأ المدح قوله سأحمد نصرا ما حييت وإنني * لأعلم أن قد جل نصر عن الحمد فإنه رفع الممدوح عن الحمد الذي ندب الله اليه عباده بأن يذكروه به وينسبوه اليه وافتتح فرقانه في أول سورة بذكره وحث عليه ولو قال: لو جل