رمت خطواتها بمنى خطايا * مواشكة إلى رب كريم بكورك أشعر الثقلين طرا * وأوفى الناس في حسب صميم ولولا الله يوم منى لأبدت * هواها كل ذات حشى هضيم رمين أخا اغتراب واكتئاب * بعيني جؤذر وبجيد ريم فمن يقول مثل هذا الشعر كيف يتصور في حقه الالحاد وله عدة قصائد في الوعظ والزهد لا يمكن ان يقولها إلا ذو دين متين وعقيدة صحيحة وتقوى قوية منها قوله:
أتأمل في الدنيا تجد وتعمر * وأنت غدا فيها تموت وتقبر تلقح آمالا وترجو نتاجها * وعمرك مما قد ترجيه أقصر تحوم على ادراك ما قد كفيته * وتقبل بالآمال فيه وتدبر وهذا صباح اليوم ينعاك ضوؤه * وليلته تنعاك ان كنت تشعر ورزقك لا يعدوك أما معجل * على حاله يوما وأما مؤخر وقد قدر الأرزاق من ليس عادلا * عن العدل بين الخلق فيما يقدر فلا تأمن الدنيا وان هي أقبلت * عليك فما زالت تخون وتغدر فما تم فيها الصفو يوما لأهله * ولا الرنق إلا ريثما يتغير وما لاح نجم لا ولا ذر شارق * على الخلق إلا حبل عمرك يقصر تطهر والحق ذنبك اليوم توبة * لعلك منه ان تطهرت تطهر وشمر فقد أبدى لك الموت وجهه * وليس ينال الفوز إلا المشمر فهذي الليالي مؤذناتك بالبلى * تروح وأيام كذلك تبكر واخلص لدين الله صدرا ونية * فان الذي تخفيه يوما سيظهر وقد يستر الإنسان باللفظ فعله * فيظهر عنه الطرف ما كان يستر تذكر وفكر في الذي أنت صائر * اليه غدا ان كنت ممن يفكر فلا بد يوما ان تصير لحفره * باثنائها تطوى إلى يوم تنشر ومنها قوله:
ألم يأن تركي لا علي ولا ليا * وعزمي على ما فيه اصلاح حاليا وقد ديل مني الشيب وابيض مفرقي * وغالت سوادي شهبة في قذاليا وحالت بي الحالات عما عهدتها * بكر الليالي والليالي كما هيا أصوت بالدنيا وليست تجيبني * أحاول ان أبقى وكيف بقائيا وما تبرح الأيام تحذف مدتي * بعد حساب لا كعد حسابيا لتمحو آثاري وتخلق جدتي * وتخلي من ربعي بكره مكانيا وقد غدرت قبلي بطسم وجرهم * وآل ثمود بعد عاد بن عاديا وأبقى صريعا بين أهلي جنازة * ويحوي ذوو الميراث خالص ماليا أقول لنفسي حين مالت بصغوها * إلى خطرات قد فتحن أماميا هبيني من الدنيا ظفرت بكل ما * تمنيت أو أعطيت فوق الأمانيا أليس الليالي غاصباتي مهجتي * كما غصبت قبلي القرون الخواليا ومسكنتي لحدا لدى حفرة بها * يطول إلى أخرى الليالي ثوائيا كما أسكنت حاما وساما ويافثا * ونوحا ومن امسى بمكة ثاويا فيا ليتني من بعد موتي ومبعثي * أكون رفاتا لا علي ولا ليا أخاف إلهي ثم أرجو نواله * ولكن خوفي قاهر لرجائيا ولولا رجائي واتكالي على الذي * توحد لي بالصنع كهلا وناشيا لما ساع لي عذب من الماء بارد * ولا طاب لي عيش ولا زلت باكيا وأدخر التقوى بمجهود طاقتي * واركب في رشدي خلاف هوائيا على أثر ما قد كان مني صبابة * ليالي فيها كنت لله عاصيا واني جدير أن أخاف وأتقي * وان كنت لم أشرك بذي العرش ثانيا فمن يقول مثل هذا الشعر هل يمكن ان ينسب إلى عدم التدين وهو يقول في بعض قصائده يخاطب مالك بن طوق:
عليك أبا كلثوم الصبر انني * أرى الصبر أخراه تقى وأوائله يعادل وزنا كل شئ ولا أرى * سوى صحة التوحيد شيئا يعادله ولا يشتمل شعره إلا على ما يدل على التمسك بالدين ولا شك ان نسبة ذلك اليه نشأت من العداوة والحسد وحق ان يحسد مثل أبي تمام الذي حاز هذه الشهرة العظيمة والمكانة عند أهل عصره من جميع الطبقات حتى أخمل خمسمائة شاعر كلهم مجيد مع انحطاطه في أول امره فتوسلوا إلى القدح فيه بكل وسيلة حتى في دينه وأعظم من هذا الحسد يقع بين الناس بأقل من هذا. وفي أخبار أبي تمام للصولي بسنده عن الحسن بن رجاء أنه رأى أبا تمام يوما يصلي صلاة خفيفة فقال له أتم يا أبا تمام فلما انصرف من صلاته قال له قصر المال وطول الأمل ونقصان الجدة وزيادة الهمة (الهم ظ) يمنع من اتمام الصلاة لا سيما ونحن سفر فكان الحسن يقول وددت أنه يعاني فروضه كما يعاني شعره واني مغرم ما يثقل غرمه (اي أين يوجد مدين لا يبهظه دينه) وهذا إن صح ليس فيه عيب على أبي تمام ولعله كان يقصر الصلاة في السفر فجعل الحسن بن رجاء ذلك تخفيفا للصلاة مع أنه يكذب ما مر عن الحسن بن رجاء من نسبة ترك الصلاة إلى أبي تمام وجوابه بما يدل على الالحاد وقال الصولي قد ادعى قوم عليه الكفر بل حققوه وجعلوا ذلك سببا للطعن على شعره وتقبيح حسنه واحتجوا برواية أحمد بن أبي طاهر:
دخلت على أبي تمام وهو يعمل شعرا وبين يديه شعر أبي نواس ومسلم فقلت ما هذا قال اللات والعزى وأنا أعبدهما من دون الله منذ ثلاثين سنة (اه) وهذا ان صح لا يدل إلا على توبيخه نفسه على الانهماك بالشعر وان شعرهما قد شغله عن عبادة الله عز وجل فصارا بمنزلة من يعبدهما وصارا بمنزلة اللات والعزى مبالغة قال الصولي وما ظننت ان كفرا ينقص من شعر ولا ان ايمانا يزيد فيه وكيف يصح الكفر عند هؤلاء على رجل شعره كله يشهد بضد ما اتهموه به حتى يلعنوه في المجالس وهذا خلاف ما أمر الله عز وجل ورسوله عليه السلام به ومخالف لما عليه جملة المسلمين لأن الناس على ظاهرهم حتى يأتوا بما يوجب الكفر عليهم بفعل أو قول فيرى ذلك أو يسمع منهم أو يقوم به بينة عليهم (اه) وقال ابن منظور في أخبار أبي نواس سئل حبيب بن أوس عن شعر أبي نواس كيف هو عنده فقال أبو نواس ومسلم بن الوليد اللات والعزى وأنا أعبدهما. وفي الأغاني عن أحمد بن سعيد الجريري أن أبا تمام حلف ان لا يصلي حتى يحفظ شعر مسلم بن الوليد وأبي نواس فمكث شهرين كذلك حتى حفظ شعرهما قال ودخلت اليه فرأيت شعرهما بين يديه فقلت له ما هذا فقال اللات والعزى وأنا أعبدهما من دون الله (اه). وهذا مكذوب عليه فقد عرفت قيام الدلائل الكثيرة على تدينه وحسن اعتقاده ولا يترك الصلاة لأجل حفظ شعر المجان إلا كافر ملحد والمعقول أن يكون حلف ان يحفظ شعرهما فمكث شهرين حتى حفظه ويمكن ان يكون أحمد بن سعيد دخل عليه فوجد شعرهما بين يديه فسأله فقال اللات والعزى وأنا أعبدهما إشارة إلى عكوفه عليهما يحفظهما فشبهه بالعبادة فظن أحمد أنه ترك الصلاة لأجل ذلك وقوله من دون الله. إن صح فهو مبالغة ونسبه أبو العنبس الشاعر الخبيث اللسان نديم