وقوف من أحدهما على ما تقدمه الآخر إليه، وإنما الإنصاف أن يقال هذا المعنى نظير المعنى ويشبهه ويوافقه فأما أخذه وسرقه فمما لا سبيل إلى العلم به لأنهما قد يتواردان على ما ذكرناه ولم يسمع أحدهما بكلام الآخر وربما سمعه فنسيه ثم اتفق له مثله من غير قصد (اه) ثم إن أخذ شاعر من شاعر وان كان معيبا في نفسه إلا أنه لا يعد قدحا في شاعرية الآخذ، نعم يكون الفضل للمأخوذ منه لا للآخذ. فالصائغ الحاذق إذا صاع حليا وأتقنه وسرق حليا من صائغ آخر وضمه إلى مصوغه تعاب عليه السرقة ولا يقال إن ذلك قصور في معرفته بالصياغة، على أن من أخذ معنى من غيره فتصرف فيه وحسنه وأحسن وضعه في موضعه، كان أحق به من صاحبه.
وقد ذكر الصولي في أخبار أبي تمام أشياء قال إن أبا تمام أخذها من غيره و نحن نوردها فيما يأتي: قال أبو تمام (يستنزل الأمل البعيد ببشره) البيتين المتقدمين أخذه من قول أبي نواس:
بشرهم قبل السؤال اللاحق * كالبرق يبدو قبل جود دافق والغيث يخفى وقعه للرامق * ما لم تجده بدليل البارق وقال أبو تمام:
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا * عذب تحدر من غمام واحد أخذه من قول الفرزدق.
يا بشر أنت فتى قريش كلها * ريشي وريشك من جناح واحد وقال أبو تمام:
ثوى بالمشرقين لهم ضجاج * أطار قلوب أهل المغربين أخذه من قول مسلم لما نزلت على أدنى بلادهم * ألقى إليك الأقاصي بالمقاليد وقال أبو تمام شهدت جسيمات العلى وهو غائب * ولو كان أيضا شاهدا كان غائبا أخذه من قول محمد بن عبيد الله العتبي قوم حضور غائبي * الأذهان ليس لها قفول وقال أبو تمام البيد والعيس والليل التمام معا * ثلاثة أبدا يقرن في قرن أخذه من قول ذي الرمة وليل كجلباب العروس أدرعته * بأربعة والشخص في العين واحد أحم علافي وأبيض صارم * وأعيس مهري وأروع ماجد وقال أبو تمام وقد كان فوت الموت سهلا فرده * إليه الحفاظ المر والخلق الوعر أخذه من قول الآخر ولو أنهم فروا لكانوا أعزة * ولكن رأوا صبرا على الموت أكرما وقال أبو تمام فما كنت إلا السيف لاقى ضريبة * فقطعها ثم انثنى فتقطعا أخذه من قول البعيث وإنا لنعطي المشرفية حقها * فتقطع في أيماننا وتقطع ومن قوله أيضا أوفى به الدهر من أحداثه شرفا * والسيف يمضي مرارا ثم ينقصد وقال أبو تمام وركب كأطراف الأسنة عرسوا * على مثلها والليل داج (تسطو) غياهبه لأمر عليهم أن تتم صدوره * وليس عليهم أن تتم عواقبه أخذ البيت الأول من قول البعيث أطافت بشعث كالأسنة هجد * بخاشعة الأضواء غبر صحونها وأخذ البيتين من قول الشاعر غلام وغى تقحمها فأبلى * فخان بلاءه دهر خؤون فكان على الفتى الاقدام فيها * وليس عليه ما جنت المنون وقال أبو تمام علمني جودك السماح فما * أبقيت شيئا لدي من صلتك أخذه من قول ابن الخياط المديني وقد امتدح المهدي فأمر له بجائزة ففرقها في دار المهدي وقال لمست بكفي كفه أبتغي الغنى * ولم أدر أن الجود من كفه يعدي وقال أبو تمام وقد ظللت عقبان راياته ضحى * بعقبان طير في الدماء نواهل أقامت مع الرايات حتى كأنها * من الجيش إلا أنها لم تقاتل وقد قال مسلم قبله قد عود الطير عادات وثقن بها * فهن يتبعنه في كل مرتحل وقال أبو نواس تتآيا الطير غزوته * ثقة بالشبع من جزره وقال النابغة:
إذا ما غدوا بالجيش حلق فوقهم * عصائب طير تهتدي بعصائب جوانح قد أيقن أن قبيله * إذا ما التقى الجمعان أول غالب وقال الأفوه الأودي فترى الطير على آثارنا * رأي عين ثقة أن ستمار وقال أبو تمام نقل فؤادك حيث شئت من الهوى * ما الحب إلا للحبيب الأول أخذه من قول كثير إذا وصلتنا خلة لتزيلها * أبينا وقلنا الحاجبية أول (ما ذكره الآمدي في الموازنة من مآخذ أبي تمام مما لم يذكره الصولي) قال أبو تمام (السيف أصدق أنباء من الكتب) أخذه من قول الكميت الأكبر وهو الكميت بن ثعلبة:
ولا تكثروا فيها المجاج فإنه * محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا وقال أبو تمام يصف الحريق في عمورية ضوء من النار والظلماء عاكفه * وظلمة من دخان في ضحى شحب فالشمس طالعة من ذا وقد أفلت * والشمس واجبة من ذا ولم تجب