فأقام يحاصرها ورحل المنصور في ربيع الأول لاتباعه واستخلف على المهدية مراما الصقلي وأدركه على باغاية فأجفل المنصور في اتباعه وكلما قصد حصنا سبقه المنصور إليه إلى أن نزل المنصور طبنة فجاءته رسل محمد بن خزر أمير مغراوة من أصحاب أبي يزيد ومواطئه بالغرب الأوسط فاستأمن للمنصور فأمنه وأمره بطلب أبى يزيد ووصل أبو يزيد إلى بنى برزال وكانوا نكارية وبلغه خبر المنصور في اتباعه فسلك الرملة ثم عاد إلى نواحي غمرت فصادف المنصور وقاتله فانهزم أبو يزيد إلى جبل سالات والمنصور في أثره في جبال وأوعار ومضايق تفضى إلى القفر وأصابهم الجهد وعلم أنه ليس امامه الا المفازة إلى بلاد السودان فرجع إلى غمرت من بلاد صنهاجة ووفد عليه هنالك زيرى ابن مناد أمير صنهاجة فأكرمه ووصله كما يجب له وجاء كتاب محمد بن خزر بالمكان الذي فيه أبو يزيد من المفازة وأقام المنصور هنالك لمرض أصابه فرجع أبو يزيد إلى المسيلة وحاصرها فلما عوفي المنصور رحل أول رجب سنة خمس وثلاثين وقصده فأفرج عن المسيلة وقصد المفازة يريد بلاد السودان فأبى عليه بنو كملان أصحابه فرجعوا إلى جبال كتامة وعجيسة فتحصنوا بها وجاء المنصور فنزل بساحتهم عاشر شعبان ونزل أبو يزيد فقاتلهم فانهزم وأسلم عسكره وأولاده وطعنه بعض الفرسان فأكبه وحامى عنه أصحابه فقتل في الحومة ما يزيد على عشرة آلاف وتخلص ثم سار المنصور في أثره أول رمضان ولم يقدر أحد من الفريقين على الهزيمة لضيق المكان وصعوبته ثم انهزم أبو يزيد لما ضرسه الحرب وترك أثقاله وساروا إلى رؤس الجبال يرمون بالصخر وتزاحفوا حتى تعانقوا بالأيدي وكثر القتل ثم تحاجزوا وتحصن أبو يزيد بقلعة كتامة واستأمن الذين معه من هوارة فأمنهم المنصور وحصر أبا يزيد في القلعة وقاتلها غير مرة حتى افتتحها عنوة وأضرمها نارا وقتل أصحاب أبي يزيد في كل ناحية وجمع أهله وأولاده في القصر وأظلم الليل فامر المنصور باشعال النيران في الشعراء بالمحيطة بالقصر حتى أضاء الليل لتكون أحواله بمرأى منهم حذرا من فراره حتى خرج الليل وحمل في أصحاب المنصور حملة منكرة فأفرجوا له وأمر المنصور بطلبه فألفوه وقد حمله ثلاثة من أصحابه لأنه كان جريحا فسقط من الوعر وارتث فحملوه إلى المنصور فسجد سجدة الشكر وأقام عنده إلى سلخ المحرم من سنة ست وثلاثين ثم هلك من الجراحة التي به فأمر بسلخ جلده وحشوة تبنا واتخذ له قفصا فأدخل فيه مع قردين يلاعبانه بعثاله له ورحل إلى القيروان والمهدية ولحق ابنه فضل بمعبد بن خزر وزحف به إلى طبنة وبسكرة وقصد المنصور فانهزم معبد وصعد إلى كتامة فبعث إليه العساكر مع مولييه شفيع وقيصر ومعهما زيرى بن مناد في صنهاجة فانهزم فضل ومعبد وافترق جمعهم ورجع المنصور إلى
(٤٤)