وأمانته على الاسرار والأموال والفروج وكان يستصغر عقول الأتراك ويرى أنهم ليسوا بأهل للرتب وكان يحب الجهاد وطلب من محمد بن أحمد بن خاقان أن يسأل من عبد الله الوزير أن يكتب لهما بأرزاقهما إلى الثغر ويقيما هنالك مجاهدين وسار إلى طرسوس وأعجبه ما عليه أهل الحق من تغيير المنكر وإقامة الحق فأنس وعكف على طلب الحديث ثم رجع إلى بغداد وقد امتلاء علما ودينا وسياسة ولما تنكر الأتراك للمستعين وبايعوا المعتز وآل أمر المستعين إلى الخلع والتغريب إلى واسط وكلوا به أحمد بن طولون فأحسن عشرته ووسع عليه وألزمه أحمد بن محمد الواسطي يومه وكان حسن العشرة فكه المجالسة ولما اعتزموا على قتله بعثوا إلى أحمد بن طولون أن يمضى ذلك فتفادى منه فبعثوا سعيدا الحاجب فسمله ثم قتله ودفنه ابن طولون وعظم محله بذلك عند أهل الدولة انتهى كلام ابن سعيد وقال ابن عبد الظاهر وقفت على سيرة للإخشيذ قديمة عليها خط الفرغاني وفيها أن أحمد هو ابن النج من الأتراك كان طولون صديق أبيه ومن طبقته فلما مات النج رباه طولون وكفله فلما بلغ من الحداثة مشى مع الحشوية وغزا وتنقلت به الأحوال إلى أن صار معدودا في الثقات وولى مصر واستقر بها قال صدر الدين بن عبد الظاهر ولم أر ذلك لغيره من المؤرخين انتهى ولما وقع اضطراب الترك ببغداد وقتل المستعين وولى المعتز واستبد عليه الأتراك وزعيمهم يومئذ باك باك وولاه المعتز مصر ونظر فيمن يستخلفه عليه فوقع اختياره على أحمد بن طولون فبعثه عليها وسار معه أحمد بن محمد الواسطي ويعقوب بن إسحاق ودخلها في رمضان سنة أربع وخمسين وعلى الخوارج بها أحمد بن المدبر وعلى البريد سفير مولى قبيحة فأهدى له ابن المدبر ثم استوحش منه وكاتب المعتز بأن ابن طولون يروم العصيان وكاتب صاحب البريد بمثل ذلك فسطا بسفير صاحب البريد ومات من غده ثم قتل المعتز وولى المهتدى فقتل باك باك ورتب مكانه يارجوج وولاه مصر وكانت بينه وبين أحمد ابن طولون مودة أكيدة فاستخلفه على مصر وأطلق يده على الإسكندرية والصعيد بعد أن كان مقتصرا على مصر فقط وجعلي إليه الخراج فسقطت رتبة ابن المدبر ثم أعاده المعتمد فلم ينهض إلى مساماة ابن طولون ولا منازعته ثم كتب إليه المعتمد بضبط عيسى ابن شيخ الشيباني وكان يتقلد فلسطين والأردن وتغلب على دمشق وطمع في مصر ومنع الحمل واعترض حمل ابن المدبر وكان خمسة وسبعين حملا من الذهب فأخذها فكتب إليه المعتمد يومئذ بولاية أعماله فادعى المعجز وأنكر مال الحمل ونزع السواد وأنفذ أجور من الحضرة في العساكر إلى دمشق سنة سبع وخمسين ثم خرج أحمد بن طولون إلى الإسكندرية ومعه أخوه موسى وكان يتجنى عليه ويرى أنه لم يوف بحقه وظهر ذلك منه
(٢٩٨)